"ليس بالخبز وحده يحيا الانسان!"
د. وليد خالد ابو دلبوح
12-09-2011 02:38 AM
أتمنى أن ترتفع أسعار الخبز, اليوم قبل الغد, حتى لا يصبح الخبز والرغيف يوما ما أكبر هموممنا وأغلا أمنياتنا!
وأتنمى أن يرفع الدعم عن الرغيف, و على من يسرق الرغيف على حد سواء. وأتمنى أن تزهو مطبوعاتنا بعناوينها الرئيسيه في صحفنا اليومية, لتفاخر العالم بقمحنا وزرعنا ومحاصيلنا ومنتوجنا. وأتنمى أن لا يأتي يوم و طعامنا وشرابنا وغذائنا هدفا جوهريا وانتصارا استرتيجيا يقلقنا كل يوم وكل ساعة. وأتمنى أيضا أن نرتقي بشعبنا ومجتمعاتنا الى أفق أسمى وهدفا أكبر ليصبح همّنا وشغلنا الشاغل ينكب في تشييّد مصانعنا وبناء صروحنا ومسارحنا وديموقراطيتنا وكرامتنا ... وأن يكون الرغيف .... اخر همنا ومبتغانا!
من قال " بالخبز وحده يحيا الانسان؟" ومن قال بأن المال وحده تؤمّن طموحاته واّماله؟ ان الحراك الشعبي الاخير ضد الفساد والفاسدين لم ينبع من جوع المواطنين أو ندرة في وفرة الغذاء بقدر ما يعبّر عن رفضه لاسباب الظلم والمحسوبية والفساد. لا أعتقد أن يغضب المواطن لقلة في الموارد أو الأموال بقدر من سوء ما يشعر به من ضير في توزيع الموارد والثروات. فالابن لا يغضب من أبيه ان كان فقيرا ولا يثور عليه وقد يعمل ويكد جاهدا لمساعدته والوقوف بجانبه, ولكنه قد لا يقوم بذلك ان شعر باستبداد والده وأساءته في توزيع ثرواته وأمواله مهما جنى من أموال أبيه... وعليه فان المال ايضا ليس اخر همنّا وأقصى أمانينا! وكذلك يسري الحال في توصيف العلاقة بين الشارع والحكومة. فالثقة أثمن وأهم من سياسات الدعم المالي والمادي بكثير! ومن هنا نقول ان ثقة المواطن بحكومتة والقائمين عليها هي وحدها كفيلة لتحقيق اسباب الرخاء والاستقرار ... فان تحققت, فلا أظن المواطنين عندها بحاجة الى "الدعم" بشتى أنواعة مهما اشتد الجوع وضاقت الاحوال.
ما ظنّهم بنا وبحالنا وبواقعنا واّمالنا وامانينا ؟ كيف يمكن أن يتصدّر خبر ابقاء الدعم الحكومي للخبز وبالخط الأحمر واجهات صحفنا وكأنه عملا وطنيا فريدا وجريئا وانتصارا للوطن والمواطنين؟ كيف ظنّ البعض بأن هذا الخبر سيثلج صدورنا وسيدخل أحلى صور البهجه في قلوبنا؟ أين هم منا ومن تطلعاتنا وأحلامنا؟ ماذا سيصنع الناس في توفير بعض قروش وملاليم في الاسبوع لتأمين رغيفه؟ أين نحن من المتغيرات والتغيّرات المحيطة بنا؟ لم تنطلق صيحات الثورات العربية من أنين بطون الجوعى بقدر ما قامت على جشع وتخمة الاخرين, لا لنيل الخبز والرغيف, ولكن لنيل قسطا من حريتهم وكرامتهم مهما عظم فقرهم وضاقت فاقتهم.
لم يحدث في السويد موجات من الفوضى والاحتقان نتاج الضرائب المرتفعه (وهي من أعلى الدول في العالم) ولكنها قامت ولم تقعد عندما قامت رئيسة احدى البلديات باستخدام بطاقتها الائتمانية الخاصه بالعمل لتزويد سيارتها الخاصة بالوقود, علما بأنها سددت المبلغ مباشرة في اليوم التالي ... فثارت ثائرة الصحف والمواطنين فاقدمت على الاستقالة! لن تسمن ولن تغني ثمن وقود السيارة حجم خزائن الدوله السويدية ولكنها مسّت وخدشت مبدأ وكرامة الوطن والمواطنة على حد سواء. ندعو الله أن يوفق حكومتنا في سياساتها الاصلاحية ونحن نشد من أزرها خاصة في هذه الأوقات الصعبة والعصيبة ولكن نريد أن نؤكد فقط بأن الخبز وحده لم ولن يشبع طموحات وأماني مواطننا الاردني!
لا أجد أفضل ما أختتم به مقلتي بقول رسولنا الكريم عيسى ابن مريم عليه أفضل السلام "ليس بالخبز وحده يحيا الانسان!" فلقمة العيش وكرامة الانسان لا تؤتى بالرغيف ولا حتى بكنوز الارض كلها مهما عظمت... فليرفع الدعم عن الرغيف... حتى لا يظل الرغيف أكبر همومنا واسمى طموحاتنا ... لاننا لا نأكل الخبز حتى نشبع!
Dr_waleedd@yahoo.com