امية ابجديه افضل من امية اخلاقية
د.حسين الخزاعي
11-09-2011 04:11 AM
شارك الاردن دول العالم الاحتفال في اليوم العالمي لمحو الامية الذي يحتفل به على المستوى العالمي في الثامن من ايلول من كل عام ، والمفارقة الغريبة ان الامة العربية بالرغم من ثرواتها التي لا تعد ولا تحصى ومكدسة في البنوك والمصارف الاجنبية؛ إلا ان ( 97) مليون مواطن عربي ما زالوا يعيشون على هامش التاريخ والجغرافيا ، والامية الابجدية متفشية بينهم ولا يعرفون القراءة والكتابة ما يرافقها من علوم اخرى ، والمؤلم جدا أن تتجاوز هذه النسبة (30%) في بعض الدول العربية ، في الوقت نفسه نرصد ان عدد الجامعات في الوطن العربي تجاوز عددها (210) جامعات تدرس مختلف حقول العلم والمعرفة، وتخرج للامة العربية الاف مؤلفة من المتعلمين من حملة الشهادات القادرين على مسح الامية الابجدية من الوجود العربي !.
عند الحديث عن الامية على المستوى العالمي والعربي يقتضي الواجب ان نشير الى الامية الموجوده في الأردن ، فالجهود التي تبذلها وزارة التربية والتعليم لمحو الامية تبين ان الوزارة مشكورة تدعم وتوفر الموارد المادية والبشرية اللازمة لمكافحة الأمية، وتضع سياسات خاصة لمحو الأمية من خلال تعزيز برامج تعليم الكبار وتوفير مستلزمات الدراسة للدارسين مجانا ، والراصد للحراك التربوي في هذا المجال يجد ان عدد مراكز تعليم الكبار ومحو الأمية التي تم افتتاحها للعام الدراسي 2010/2011 بلغ (497) مركزاً، بواقع (469) مركزاً للإناث و(28) مركزاً للذكور، التحق بها (5878) دارساً ودارسة، كان منهم (5523) دارسة و(355) دارساً.وأن محو الأمية هو جوهر التعليم المستمر الذي يعود بالفائدة على المجتمع من مختلف الجوانب التنموية، والارقام التي نرصدها عند متابعة معدلات الامية بين السكان نجد ان الاردن حقق معدلات عالية ومرموقه في برامج مواجهتها والحد منها حيث انخفضت نسبة الاميين بين السكان الذين أعمارهم 15 سنة فأكثر من (33.5% ) في عام 1979 الى ( 7% ) في عام 2010. وتتباين نسبة الامية بين الإناث والذكور، حيث تبلغ ( 10.3%) بين الأناث مقابل( 3.7 % ) بين الذكور. والحقيقة التي يتوجب الوقوف عندها والبحث عن حلول جذرية لها استمرار تصدر محافظة المفرق قائمة اعلى نسبة امية في الاردن اذا تبلغ (13.3%) للذكور و(18.8%) ، ويمكن للباحثين المتخصصين في القضايا التنموية الوقوف على تأثير ظاهرة الفقر على استمرار ارتفاع نسبة الامية اذا ان محافظة المفرق تتصدر الرقم الاول في نسب الفقر في الارد ن . في المقابل فان محافظة العاصمة ومنذ السبعينيات تسجل أقل نسبة للأمية على مستوى الذكور والإناث حيث تبلغ ( 2.7% ) للذكور مقابل ( 7.1% ) للإناث.اما في مجال توزيع الامية حسب الفئات العمرية في الاردن فنجد ان نسبة الامية بين فئة الشباب ( 15 – 24 ) سنة، ولكن نجد ان ( 55.6%) من الاميين تتجاوز اعمارهم (60) عاما وهذا يعني الامية متفشية بين جيل الاجداد والذين عاشوا في مراحل شح المدارس وعدم وجود شبكات طرق تربط المحافظات واماكن تواجد المدارس في ذلك الوقت ، اما في هذه الايام فنلاحظ وجود مراكز محو الامية منتشرة في مناطق المملكة كافة مما سيعزز مواجهة الاعداد الموجودة بين الاميين، والصعوبه تكتمل في محاولة اقناع كبار السن في التوجه لمراكز محو الامية .
وبعد ،،، في الوقت الذي نفتخر في تحقيق هذه المعدلات العالية في محو الامية نجد لزاما الحديث عن الامية الاخلاقية التي بدأت تتفشى وتتباهى بممارستها بعض فئات المجتمع، والمتمثلة في الانهيار في منظومة القيم الاخلاقية والجمالية في التعامل بين افراد المجتمع والمتثلة في قيم الصدق والامانة والكرم والصراحة والشهامة والمروءة والشجاعة والتسامح والمحبة والتكافل والتراحم والعدل والمساواه ليحل مكانها قيم المبالغة في المديح والنفاق والتزلف والدجل والمراوغة والانانية والتنافس غير الشريف والتباهي الكاذب والصداقة المرحلية والظلم وشهادة الزور والافتراء وتسليع المواطن، والملفت للنظر ان هذه القيم المنبوذة من المجتمع والتي تخالف العادات والتقاليد والدين تمارس " عينك عينك " من قبل بعض المتطفلين الفاشلين للوصول الى غايات وطموحات ومكاسب دنيوية شخصية، وتكتمل الخطورة عندما تمارس هذه السلوكيات المنبوذة من قبل بعض المتعلمين التي تحولهم من حملة شهادات الى حملة مباخر ومراوح ومماسح عند المسؤولين؛ هذا مؤشر خطير بحاجة الى مواجهه وخطط لفتح مراكز محو امية اخلاقية لمن تخلوا عن مبادئهم وقيمهم الاصيلة وتسلحوا في القيم الدخيلة على المجتمع . وللأسف تزامن الاحتفال باليوم العالمي لمحو الامية هذا العام مع صدور قوائم التشكيلات الادارية والاكاديمية في بعض الجامعات الحكومية، لنبدأ برصد ومتابعة وقراءة التعليقات والتهاني عبر المواقع الالكترونية والتي تكيل عبارات المديح والتسبيح والتمجيد الصادره عن بعض اكاديمين يمارسون هواياتهم النفاقية مع صدور تشكيلات او تنقلات او تعيينات لمسؤولين في مختلف مواقع العمل الحكومي، وتشكيلات الجامعات لم تسلم من دخول جوقه المنافقين اليها لممارسة هواياتهم السخيفه، وعندما ترصد وتحلل الاسماء التي ترسل عبارات النفيخ والمديح والتسبيح تجدها نفس الفئة والاشخاص يمارسون نفس هواياتهم الالكترونية منذ سنوات ومع كل مسؤول جديد، هذا السلوك الاجتماعي المنبوذ يدفع الى ان نطالب بتخصيص " يوم عالمي للنفاق " اقتداء في " عيد الكذب " الذي تابعناه منذ طفولتنا في مسرحية " غربة " ، فلقد خصص الممثل الكوميدي المشهور " غوار الطوشة " مشهدا كاملا للاحتفال بالكذب في هذه المسرحية الكوميدية الموسيقية السياسية الاجتماعية الهادفة .
مسك الكلام ،،،، الامية الابجدية في المجتمع افضل الف مرة من الامية الاخلاقية المتفشية بين بعض فئات المجتمع والتي تنخر في البناء الاجتماعي، فلنعمل على مواجهتها فهي تعرقل النمو والتقدم والتطوير، وتمهد لبروز فئة من المتطفلين المنافقين الذين وجودهم اخطر من الاميين الذين لا يتقنون القراءة والكتابه ولكنهم يتمسكون في القيم الفاضلة في المجتمع. وما اجمل ان نذكر بقول أمير الشعراء الشاعر المصري أحد شوقي :
انما الامم الأخلاق ما بقيت فان هم ذهبت اخلاقهم ذهبوا
ohok1960@yahoo.com
اكاديمي ،،،، تخصص علم اجتماع