محظوظ من لا تكتب له الظروف السعي لإنجاز معاملة .. وتعيس ذلك الذي يكتب عليه أن يسير لانجاز معاملة ....
استنتجت ذلك ، بعد أن قادتي ظروف الحياة مؤخرا لإجراء معاملة في إحدى الدوائر الحكومية ، واصطدمت بالبيروقراطية المقيتة التي تحكمنا ، وما يتبعها من إجراءات غير مفهومة ،
تضطرك لزيارة العديد من المكاتب المترامية في أكثر من طابق داخل المبنى الواحد ، وفي الغالب تكون للتوقيع على معاملات دون النظر للمضمون ، أو تحويلها إلى موظف آخر دون توقيع أو حتى النظر إلى المعاملة ، ويقول لك بعصبية : غرفة (10) ؟ أو عند أبو صطيف ! واعرف مين أبو صطيف ! .
أو يشير لك مثقلا ؛ وهو يعيد لك المعاملة بحركة في يده ، وكأنه يكش ( ذبانة ) : - انزل تحت أو اطلع فوق !.. وتبدأ رحلة البحث عن "أبو صطيف" ، أو " تحت وفوق " وعند مين ؟ وغرفة (10 ) وين ؟ وللتوصل إلى الإجابة ، ومعرفة المكاتب المعنية ، والسؤال عن ما أريد ، واين أذهب ؟.....كل ذلك يستغرق ثلث وقتك وقد يزيد !!..
إلى هنا لم ينته كل شئ ، ولن تنتهي أكبر المشاكل التي تواجهك عند انجاز المعاملات ، فالطامة الكبرى عندما يطلب منك موظف قطاع عام إنجازالمعاملة بزمن قياسي نظير مبلغ من المال ، مع علمه بأن صاحبة المعاملة صحفية ، ولكنه بدا غير مكترث لمن أمامه !!! .. نعم ، طلب (150) دينار، هذا بعد المراعاة ، كوني صحفية ، "وبده يخدم" !! . في البداية ظننت أنه يمزح! ، أو يختبر! ، أو يريد أن يمرر معلومة ما !!.
وبعد أن صحوت من صدمة ما سمعت ، سألت عن المدير ، فكانت الإجابة : على اليمين ، وإذا بدك يساعدك ، ناوليه ( 50 ) دينار !!..
معقول يا جماعة، وصلنا إلى هذا الحد ؟!.. طلب الرشوة علنا ! ولماذا ؟..
أعتقد أنكم توافقونني الرأي ، إن عقلية الموظف قد تغيرت في بلدنا ، بسبب إهمالنا لتطبيق مبدأ الثواب والعقاب وغياب محاسبة الفاسدين ، بل كافأناهم واحترمناهم وتركناهم طلقاء ، وزدنا على ذلك بتكريمهم ؛ وبتعيين البعض منهم في مواقع حساسة ، وعدم تفعيل قوانين محاسبة المسؤولين وهم في مناصبهم ، التي أصبحت حصانة لهم وهم يمارسون الفساد .
ووصل الأمر بنا ، أن امتدحنا الفاسد المسيء ووصفه بالشاطر ، وتساهل المجتمع مع الفاسدين بعدم ازدرائهم واحتقارهم ، وغياب العقاب المجتمعي للقادرين منهم على الإفلات من العقاب القانوني والجنائي ، فاختلط الغث بالسمين ، وتساوى المحسن والمسيء في المجتمع ، فعلا شأن الفاسدين وطغت ثقافة الفساد حتى أصبحت ظاهرة غير مستهجنة .
إن مجاهرة الموظف العام بطلب الرشوة لدليل على عدم اكتراثه بقوانين العقوبات ، لقناعته بعدم صرامتها وجدواها ، إضافة إلى غياب الدور الرقابي ، وضعف الوازع الديني ، وعدم ادراكه لمعنى الانتماء ،والخوف على المصلحه الوطنيه ، ناهيك عن عدم احساس الموظف بالعدالة في توزيع الأجور، التي لا تتناسب وغلاء المعيشة والزيادة في الأسعار .
المصادفة أن مثل هذه الممارسات في الدوائر الحكومية تتزامن مع الدعوات إلى الإصلاح ومحاربة الفساد ، فأين الإصلاح من صغار الموظفين ، وما حال الكبار ؟؟؟
والآن ، وبعد إصابة مجتمعنا بالهشاشة في القيم ، علينا أن نعمل على محاربة سمة الفساد والرشوة ، التي تفشت في مجتمعنا ، قبل أن تنتشر بصورة يصعب استئصالها ، وتصبح نظرة الأجيال القادمة لهذه العادات المشينة نظرة غير مخجلة ، و المجاهرة بها امر بطولي !!..
Jaradat63@yahoo.com