يراهن الاردن على ليبيا الجديدة وقدرتها على رد الجميل تقديرا لانضمامه لحملة الناتو التي سرّعت الاطاحة بمعمر القذافي, في وقت تجهد فيه المملكة لتعويض خسارة سوق العراق الاستراتيجية واستدراج دعم مستدام من دول الخليج النفطية.
يأمل الاردن, قيادة وشعبا, في منحه أفضلية لدى تنفيذ مشاريع إعمار ليبيا, تأهيل جهازها الاداري إلى جانب تدريب قوات الشرطة, الجيش وجهاز المخابرات بعد طي صفحة حكم الرجل الواحد هناك.
فالاردن الرسمي غامر حين سارع لقلب الطاولة على معمر القذافي عقب اشتعال الثورة مراهنا على الكفّة الرابحة. في الاثناء, جال وزير الخارجية الاسبق عبد الاله الخطيب عواصم العالم بصفته مبعوث الامم المتحدة الخاص إلى ليبيا ضمن جهود البحث عن مخرج للاستعصاء العسكري. زار الخطيب طرابلس وبنغازي عدة مرات خلال الشهور الماضية, ماشيا على حبل مشدود في محاولة للإبقاء على شعرة معاوية مع نظام القذافي وأبنائه من جهة والمجلس الوطني الانتقالي من جهة أخرى. وصب ذلك الجهد في إضافة نقاط كثيرة لرصيد الاردن لدى الليبيين.
اليوم يجد المسؤولون والمستثمرون أنفسهم في سباق مع الزمن لضمان حصة في كعكة بناء ليبيا الحديثة بعد عقود من إدارة الجماهيرية على طريقة الكتاب الاخضر. فعلى مدى أربعة عقود لعب نزق القذافي الشخصي ومراوغاته دورا في تحديد الدول والجهات المستفيدة من عقود التنمية والاعمار والتجارة.
ويأمل جيش العاطلين عن العمل في أن توفر السوق الليبية فرصا لهم في القطاع العام والخاص مثل المصارف, الاتصالات, الطب, الهندسة وغيرها. كما تتطلع المؤسسات الامنية في لعب دور رئيسي في تأهيل أجهزة الامن والجيش, معززة بمراكز تدريب احترافية على مستوى العالم تخرّجت منها كوادر شرطية ومكافحة إرهاب في عدة دول مجاورة لا سيما العراق وفلسطين.
ويبدو أن العد التنازلي لهجمة الاردن الاقتصادية على ليبيا بدأ وسط منافسة إقليمية ودولية حادة.
الموقف الرسمي خط موطئ قدم في أرض الفرص الواعدة. واليوم تقع المتابعة والاختراق على عاتق القطاعين العام والخاص من خلال التسلح بميزات تنافسية ونوعية. وقد تأتلف هيئات وخبرات أردنية مع تحالفات في دول متقدمة للفوز بعطاءات ثانوية ضخمة بالاستناد إلى تقنيات محلية متقدمة وأسعار تفضيلية.
يجهّز وزير الصناعة والتجارة د. هاني الملقي لزيارة ليبيا أواخر الشهر الحالي على رأس وفد يضم 30 شخصية تمثل قطاعات اقتصادية, صناعية, خدمية, سياحية, طبية, تكنولوجيا معلومات, مقاولات وإنشاءات لعرض إمكانيات الاردن أمام قادة دولة غنية بالنفط لكنها تحتاج "لأفرهول شامل".
قبل ذلك سيلتقي د. الملقي الخميس المقبل في القاهرة مع مسؤول الصناعة والتجارة في المجلس الوطني الانتقالي خلال الدورة العادية للمجلس الاقتصادي والاجتماعي التابع للجامعة العربية للتباحث حول احتياجات ليبيا الانية والمستقبلية.
وبحسب وزراء أردنيين, ترغب عمان في التركيز على عرض خدمات تنافسية ذات قيمة مضافة عالية مثل قطاع الخدمات. وهي تشجع القطاعين الخاص والعام في الدخول في تحالفات إعادة اعمار عربية ودولية عبر التركيز على تكامل الادوار. وتأمل الحكومة في أن توفر ليبيا فرص عمل ل¯ 200.000 الى 300.000 أردني وأردنية خلال السنوات الخمس المقبلة, على أمل المساعدة في خفض معدلات الفقر والبطالة, زيادة حوالات المغتربين, فضلا عن فتح مجالات جديدة للصادرات الاردنية ولمكاتب المحاماة والتأمين والسياحة العلاجية, ولأساتذة المدارس والجامعات وأطباء الاختصاص والممرضين.
وكان باكورة القرارات التفاعلية إرسال مستشفى عسكري ميداني إلى الاراضي الليبية.
الان وقد باتت الساحة مهيأة لمعاول الاردنيين بعد أن وضع الملك عبد الله الثاني هذا البلد على قائمة المشاركين في جهد الاعمار بأبعاده التنموية, السياسية والامنية حين قدّم دعما دبلوماسيا وعسكريا للمجهود الدولي, لا بد من قنص الفرصة المواتية عبر التركيز على نقاط القوة لدينا. زيارة الوفد الاردني إلى ليبيا لا تكفي. فالمطلوب حملات مماثلة في الغرب, بخاصة الولايات المتحدة, فرنسا, بريطانيا وايطاليا التي يتوقع أن تفوز شركاتها بحصة الاسد في إعادة إعمار ليبيا.
شارك الملك أمير قطر ورئيس دولة الامارات العربية المتحدة في حضور مؤتمر "أصدقاء ليبيا" الذي التأم في باريس قبل عشرة أيام. هذه الدول العربية سبقت سائر المنطقة في تقديم إسناد لوجستي للقوات الدولية (مثل الاردن) أو طائرات حربية حال قطر والامارات. كان الثلاثة في طليعة زعماء العالم الستين الذين اعترفوا بالمجلس الوطني الانتقالي المنبثق عن الثوار كممثل شرعي وحيد للشعب الليبي.
كما أوفدت هذه العواصم الثلاث دبلوماسيين للعمل في مكاتب تمثيل في بنغازي بعد انسحابهم من طرابلس القذافي آنذاك, على غرار غالبية الدول العظمى.
وأرسلت عمان في نيسان الماضي مساعدات طبية وإنسانية عاجلة, مثلما استقبلت المستشفيات الاردنية أكثر من 200 مصاب ليبي منذ اندلاع الازمة.
زعماء العالم الذين حضروا مؤتمر باريس تعهدوا بالافراج عن مليارات الدولارات من الاصول الليبية المجمدة في الخارج وفتح سفارات جديدة بسرعة في طرابلس. كما تباحثوا في وسائل تلبية الاحتياجات الانسانية, نقص المياه وتدهور الخدمات العامة والمستشفيات, وحفظ الامن والنظام في ليبيا عبر إعادة تأهيل الجيش والشرطة.
استقبلت عمّان أخيرا عدّة وفود تبحث عن آفاق التعاون المشترك وتوريد أدوية وأجهزة طبية إلى السوق الليبية العطشى.
بعد عودة الملك, أعلن هنا عن إعادة طاقم دبلوماسي بعد سحب السفير منذر قباعة ومعاونيه خلال الثورة.
الوضع في ليبيا يتجه للاستقرار لكن ببطء. نجح التحالف الدولي في التخلص من مذبحة كان سيرتكبها القذافي ضد شعبه, لكن المعركة لم تنته بعد. فحلفاء الناتو سيواصلون عملياتهم لتطبيق قرار مجلس الامن طالما كان ذلك ضروريا لحماية المدنيين والتحقيق في جرائم ضد الانسانية.
لذلك ستكون المرحلة الانتقالية محفوفة بالمخاطر بانتظار ترتيب البيت الداخلي في ليبيا.
فمرتزقة القذافي الملاحق في كل مكان ما يزالون يقاومون, بينما يبذل الحكم الجديد جهودا لتشكيل حكومة تمثل مكونات المجتمع وتطهير ليبيا من السلاح والالغام وتخليصها من جماعات متطرفة. باستثناء الاحتياجات الانسانية المباشرة وتأمين عودة عشرات الالاف من النازحين واللاجئين, بدءا من إيان مارتن, مستشار الامم المتحدة الخاص, للتخطيط لفترة ما بعد النزاعات. من بين مهامه مساعدة الحكم الجديد على تشكيل جهاز شرطة احترافي, بناء نظام قضائي مستقل, إعادة هيكلة الجهاز الحكومي والاعداد لانتخابات تشريعية.
في أفضل السيناريوهات, سيدوم ذلك الجهد شهورا.
دور الاردن في بناء ليبيا الجديدة يحاكي تجربة عاشها الجيل الثالث من الاردنيين في خمسينيات وستينيات القرن الماضي, حين اعتمدت دول الخليج التي اكتشفت النفط على سواعد الاردنيين وعلى علاقات سياسية جيدة لنسج شراكات متعددة ساعدت على بناء دول الخليج الجديدة وتدريب قوات الامن. كان العنصر البشري وسيظل رأسمال الاردن وأغلى ما يملك.0
فهل نكون على قدر الحمل الليبي المقبل?.
rana.sabbagh@alarabalyawm.net
(العرب اليوم)