سلحوب سجن لمرحلة وشكرا للاغلاق
عمر كلاب
11-09-2011 03:53 AM
تكتسب السجون شهرتها عادة من طبيعة المعتقلين داخل اسوارها , وسبق لكل السجون ان اخذت قيمتها وحضورها من الاعتقال السياسي كنقيض للحرية , من سجن الباستيل الفرنسي عالميا الى سجن المزة السوري عربيا , وكان الجفر الصحراوي الاردني قصة حاضرة في عالم السجون السياسية ومعتقليها الذين اثروا الحياة السياسية والثقافية وللانصاف احتفظ الجفر بأنه لم يتعامل مع الدم والسحت .
على المسار ذاته عرفنا سجن ابو زعبل المصري من الاشعار والروايات ولاحقا تسيّد سجن ابو غريب المشهد كشاهد وشهيد على الوحشية الامريكية , السجون كلها تحمل نفس الغاية وهي احتجاز الحرية بالنسبة للمعتقل السياسي واصحاب الفكر وهي اصلاح وتهذيب بالنسبة للمساجين الجرميين , لكن السجون تخلدت في الادب بشكل عام حتى اصبحت شارة شرف يحملها المعتقل السياسي على صدره ومدعاة لتكريم مجتمعي لاحق .
ايجابية السجون رغم ثقل ظلالها انها اسهمت في رفد الفكر العربي والانساني عموما بروائع ادبية في القصة والرواية والشعر بوصف ذلك كله محصلة للالم البشري والمعاناة التي تجلت بأرقى تعابيرها ادبا رفيعا , من نمرود مؤنس الرزاز الذي أصّر على حمل جدار السجن معه بوصفه حارسا لذكرياته الى قصائد محمود درويش وناظم حكمت ومذكرات مانديلا .
اغلقنا سجن الجفر ولم نؤرخ حكاياه بإستثناء قصص وحكايا شفاهية وبعض شذرات مدونة في مذكرات يعقوب زيادين , لكن الجفر رغم ثقل ايحاءاته بقي مخزنا لحكايا نقلها المرحوم يوسف العظم عن العلاقة مع الشيوعيين وتحديدا الفقيد فؤاد نصار الذي كان امينا عاما للحزب الشيوعي ولا ينام قبل ان يدفئ مياه الوضوء للمصلين من المعتقلين , وكيف كان سجن الجفر فرصة لعلاج مرضى معان خاصة اذا كان من ضمن المعتقلين طبيب مثل منيف الرزاز كما قال ذات زيارة شيخ معاني لنا , ولبرهة شارك المحطة الجفر في سرد الحكايا العذبة كما كان يرويها محمود الكايد رحمه الله وابو السعيد وبريك الحديد وكثر ممن جمعهم سجن المحطة في شبك رقم واحد.
نفرح لقرار اغلاق سلحوب ليس فقط لاننا نكره السجون , بل لانه تعبير عن تحول اجتماعي يعيد الاردن الى عذوبته وطيبته وعدله , قرار يكفّن الاردن فيه نهجا اقتصاديا وسياسيا اجتهد في قسمتنا وتقسيمنا كي يبقى – هذا النهج - هو الموحد الوحيد , ونغرق نحن في محاصصة ومماحكة تورث عصبيات وجهالة وهم يقتسمون قوت صغارنا من شتى المنابت والاصول .
سلحوب فاصلة عشرية في مسيرة الاردن وليس مجرد سجن وإغلاقه يعني اننا عدنا الى طريق النجاة والنجاح وإقفال صفحة الغيلان الذين عبثوا بكل شيئ حتى بحكايا سجوننا الجميلة , فالسجن الاردني ظل مكانا امنا حتى لمن خالف في الحب والعفة والعشق الوطني .
بالمناسبة لحظة هدم سجن المحطة وكانت تعبيرا عن مرحلة ولجنا فيها عصر الانفتاح والديمقراطية تجمّع بعض معتقلي السجن من السياسيين واذكر ان احدهم بكى لحظة هدم النافورة ويوم تحويل الجفر الى معهد مهني فرح معتقلوه فما زالت ذكرياتهم على جدرانه حاضرة ويوم اغلاق سلحوب سنفرح لانه خدش ذاكرتنا , هذا هو الفرق .
omarkallab@yahoo.com
(الدستور)