للعرب قمصانٌ ثقافيةٌ . أقل ما يقال فيها إنها مسحورة، والسحر هنا هو في العرب، أو في ثقافتهم، التي تسحر الحدث، أو التحول الكبير،فتحيله إلى رمز سحري شفيف . رمزٌ ما ان ينغلق على شفافيته حتى يستعصي على التمزيق. فيصير عنواناً ل هلع أو ل كهانة أو ل فتنة .أقدم قمصان العرب هو قميصهم اليمني . وهو قميص تفرقهم أو تمزقهم. ومن تلك الصفة، استعارت الأسطورة اسمها، لتلصقه بالملك عمرو بن عامر . فصار اسمه مزيقياء . وفي عهده تفرقت العرب، بعد انهيار سد مأرب و سيل العرم .
وبمقدار ما في حديث التمزق من هلع، فان الكاهن عمران يصبح في الحكاية شقيقاً للملك. فيحلم الكاهن بأن قومه سوف يمزقون كل ممزق . وتكتمل تفاصيل الانهيار بحلم ل الكاهنة طريفة ، التي تروي حديث الجرذان المقلوبة على ظهورها، وحديث الريح والسيل العرم الذي خلع الزرع والجنان من أرضها.
ولأن الأسطورة لا تستطيع الاستمرار إلا بالتحليق. فانها تستعير تفسيراً أندلسياً لاسم الملك اليمني الذي عاصر التمزق: قيل له مزيقياء، لانه كانت تنسج له ثلاثمائة وستون حلة في السنة. فإذا أراد الدخول إلى مجلسه رمى الحلة، التي عليه في ذلك اليوم، فقطعت مزقاً، كيلا يجد أحد فيها ما يلبسه بعده.. (!).
وعلى ضفاف النيل، يستكمل قميص يوسف تحولاته. فيتحول من التمزق إلى دليل براءة . وهي براءة أشد تأكيداً على التمزق من نفيها له. فحين شهد شاهد من أهلها ، كان قميص البراءة المسحورالمتمزق بالاقبال والادبار، دليلاً على تحولات السنوات العجاف إلى سنوات سمان: فلما رأى قميصه قُدَّ من دُبرٍ قال انه من كيدكن ان كيدكن عظيم (!).
وبقميص يوسف المصري يكمل الكيد أسطورته. فتصبح السنوات السمان دليل ادانة على جريمة ما وقع في السنوات العجاف .
أما أوجع قمصان العرب سحراً وتمزيقاً، فهو قميص عثمان الشامي. ذاك، الذي وضعه معاوية فوق منبر الجامع الكبير ملطخاً بالدم. وقيل فيه انه كان يبكيه كل يوم ستون ألف شيخ . فجدلية الدين والسياسة ، في الإسلام المبكر، لم تتحول إلى فتنة إلا بهذا الفعل الملطخ، لهذا القميص الممزق، كما يرى مفكر مغاربي معاصر.
لنا القمصان، وإرثها الدامي. ولنا المنابر، ننشر على أهلّتها ما تبقى من أصابع نائلة . لنا نواح الأقنعة . ولنا خيبة أشقاء يوسف . أما سيل التمزق العرم ، فله ما تبقى من مِزق قمصاننا المسحورة..(!؟).
FAFIEH@YAHOO.COM