كيف دفع القذافي شعبه للجوء الى «الناتو»؟
راكان المجالي
09-09-2011 04:32 AM
المواطن العربي في كل مكان يعرف ان القيادات السياسية للدول الغربية الاستعمارية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الامريكية وبريطانيا وفرنسا ليست معنية بحقوق الانسان العربي ولا حريته ولا كرامته ولا ابسط مطلباته واولها المشاركة وحقوق المواطنة وتوفير لقمة العيش.
المواطن العربي يدرك ايضا ان تصدير الغرب لـ «وصفة الديمقراطية» لمنطقتنا والعالم ليست مسألة مبدئية، ولكن تبشر بها امريكا والتحالف الغربي كمسألة مصلحية، فالولايات المتحدة التي تقود النظام العالمي الجديد معنية باحتضان ودعم انظمة الحكم الفردية الشمولية القمعية، وتشجيع الفساد وتتحمس لهذا النظام او ذاك بمقدار استجابته للمشروع الصهيوني الامريكي في المنطقة وبمقدار نجاح هذه الانظمة في تطبيق آليات العولمة وتفكيك الكيانات الوطنية تمهيدا لاعادة تشكيلها في اطار النظام الشرق الاوسطي الجديد.
لقد كان مؤلما ان تصل الاوضاع في بلد مثل ليبيا الى تطلع الشعب الليبي للعون والمساعدة من اية جهة حتى لو كان «الشيطان» للخلاص من نظام حكم القذافي الذي سحق الشعب الليبي وشرده واذله وحول ليبيا الى خرابة وسجن كبير في ظل حالة ترهيب تطال حتى الذين هربوا من ليبيا وزاد عددهم على مليون انسان كانوا يشكلون ثلث عدد سكان الشعب الليبي.
الليبيون والعرب جميعا غضوا النظر عن تدخل «الناتو» لمساعدة ثورة الشعب الليبي الحرة في اسقاط حكم الطاغية الموتور المهووس معمر القذافي، لكن هذا لا يمنع ان نذكر ان بلدا مثل بريطانيا تعاونت مع القذافي الى حد التحالف وانها اعتبرت خيانته لامته ووطنه وشعبه وحتى نفسه بان سلم امريكا عبر بريطانيا كل المعلومات عن برنامج ليبيا النووي ومارس اقصى درجات النذالة عندما كشف عن دور ابو القنبلة النووية الباكستانية العالم عبدالقادر خان في تزويد ليبيا باسرار القنبلة النووية وهو لم يتوقف عند ذلك بل سلمهم وثائق حول تعاون عبدالقادر خان مع دول عربية واسلامية لتزويدها بمعلومات اولية حول صنع القنبلة النووية مما استدعى محاسبة الرجل في بلده بالاقامة الجبرية ولولا انه في نظر الشعب الباكستاني هو الرمز الاول الوطني لكان تم القضاء عليه، القذافي كما تذكرون استقال ايضا من العروبة ارضاء للغرب!! وكل الدول الغربية عقدت صفقات بترولية وصفقات اسلحة مع القذافي واغلقت ملفه في مجال ما سمته دعم الارهاب وحقوق الانسان بعد ان سلمها كل الملفات حول هذه التنظيمات حول العالم، وكان ذلك مقابل ان يغض الغرب النظر عن تنكيله بالشعب الليبي مما دفعه الى قتل الالاف داخل السجون بمجرد ان اظهروا احتجاجا على التعذيب وتقطيع اجسادهم وهم احياء!! وقد بلغ النفاق الغربي ذروته عندما اسندوا الى ليبيا رئاسة هيئة حقوق الانسان التابعة للامم المتحدة في جنيف والتي تمثل كل العالم ولو انهم اعادوا النظر بذلك بعد ذلك تحت ضغط الرأي العام العالمي لكن ليبيا ظلت عضوا بارزا في هذه المنظمة وفي الوقت الذي كان توني بلير رئيس وزراء بريطانيا يقود الحملة لغزو العراق كان يهيم في غرام نظام القذافي ويرأس مؤسسة يمولها القذافي وتتبع له، والرئيس ساركوزي كان يرسل زوجته الاولى سيسيليا لتفوز بعطف القذافي بالافراج عن الممرضات البلغاريات لتلميع صورته وبالتالي يستقبله ساركوزي في باريس ويقدمه للعالم كصديق لفرنسا والغرب ويشيد بنظامه مقابل عقد لتوريد طائرات (رافال) وهو العقد الذي نقضه القذافي وكان مقدمة لخلاف فرنسا وحماسها فيما بعد لاسقاط نظام القذافي الذي استبدل الطائرات الفرنسية بطائرات اف 16 الامريكية.. ولا يتسع هذا المقال لذكر قصص انتهازية اخرى بما في ذلك ممارسات «الدكنجي» الايطالي برلسكوني، ويذكر العالم خطابه في البرلمان الاوروبي والذي دعا فيه اوروبا لتطوير نفسها لترتقي الى النظام الجماهيري!!.
وذروة المأساة في هذا الوطن العربي اليوم هو ان يصل الحال في ابناء هذه الامة ان يجدوا في شرور السياسات الغربية الممتدة تاريخيا منذ مطلع القرن الماضي بما فيه انقاذ لهم من تسلط واستبداد وفردية الانظمة وذلك ما هو اسوأ، ومرعب ورهيب ومدمر ولا انساني ولا اخلاقي، وهو ما يدعونا الى ان نتمنى على بقية الانظمة العربية ان لا توصل شعوبها الى ما لا يمكن قبوله واحتماله الى حد ان ان تضع الشعوب يدها بيد الشيطان من اجل الخلاص، وان تتحالف مع الغرب من اجل النجاة. ولا حول ولا قوة الا بالله.
rakan1m@yahoo.com
(الدستور)