شيء ما ، ليس مفهوما ، في الاجواء ، فالاسابيع القليلة الماضية شهدت حوادث غريبة ، اذا وضعناها في سلسلة واحدة ، فان النتيجة مخيفة ومرعبة في وقت واحد. لنعد الى تسلسل الاحداث ، حوادث تسمم الشاورما ، تلوث المياه ، تشطيب مائة سجين لانفسهم ايا كان السبب ، ضرب جاهة في الزرقاء واصابة الوسطاء والوجهاء ، حوادث شغب في قرية ادر في الكرك ، حوادث شغب في السلط على خلفية مشاكل بين مستأجرين وملاكين ، اعتداء على اكشاك الامن العام في معان ، مؤتمرات غاضبة للاسلاميين ، اعتصام لباعة الشاورما ، اعتصام لعمال المياومة ، اعتصام لمخاتير ووجهاء بني عباد ، تلوث مياه محدود في جرش ، ادوية مقلدة ، الاستمرار باطلاق الالعاب النارية رغم المنع ، الاعتداء على النائب السابق علي العتوم ، تسمم محدود في الكرك ، التداعيات بين العشائر على خلفية الانتخابات البلدية ، وغير ذلك من قصص.
الذي يعد دراسة عن احداث الاسابيع الماضية يكتشف ببساطة مؤشرين خطيرين ، اولهما ان الروح المعنوية للناس منخفضة ونراهم يعضون اكتاف بعضهم البعض بسبب ودون سبب ، والثاني ان الناس لم تعد تحسب حسابا للمؤسسة العامة ، فتأتي بتصرفات لم نعهدها في وقت سابق ، والمؤشران بحاجة الى من يقف عندهما ويتأمل في ماخلف السطور ، بدلا من الاستمرار في التعامل مع هذه الاشياء باعتبارها امرا عاديا ، وكل القصص السابقة عبارة عن اشارات توجب التنبه لما قد يزيد عن حده ، ولما يحدث بين الناس.
المحللون في الدولة والذين يفترض ان يقفوا مطولا عند هذه المتواليات ، ما زال امامهم وقت لقراءة المشهد بشكل دقيق ، واذا عدنا الى الروح المعنوية وهي المؤشر الاول كما اسلفت نجد انخفاضا شديدا ، تتجلى مظاهره بعصبية الناس ونزقهم ، وغياب التسامح ، وتغير طباع الناس امر خطير ، ولم نصل الى هذه الحالة لولا ضيق ذات اليد ، والمصاعب الاقتصادية التي خلفت اختلالات اقتصادية على اكثر من مستوى.
اما المؤشر الثاني ، فهو الاخطر ، اذ ليس مطلوبا من الناس ان يخافوا من الحكومات والمؤسسات ، بل وجود الاحترام والامتثال للقانون وروح الدولة ، غير اننا نجد ايضا في حوادث كثيرة ان الناس لم تعد تفرق معها الاشياء ، حتى وصلنا الى مرحلة تشطيب سجناء لانفسهم ، ايا كانت ذريعتهم ، وهم بحاجة الى قدرة هائلة من الغضب حتى يفعلوا هذا ، وما سمعناه عن ضرب جاهة في الزرقاء ، لم يحدث في تاريخ العشائر والعائلات ، ودليل على ان كل شيء صار ممكنا ، وهذا اخطر ما في التحولات الجارية.
الضيق الاقتصادي ، وغرق البلد في بحيرة مليون ونصف مليون اجنبي جلبوا معهم تغييرات اجتماعية واقتصادية ، وبروز طبقة غنية بشكل غير مفهوم ، وذوبان الطبقة الوسطى الضامنة للمجتمع والفاصلة ربما بين اطماع الاغنياء وغضب الفقراء ، والاحتقانات الاجتماعية ، والمذابح الجارية حولنا ، واسباب اخرى كثيرة جعل موجة من العصبية وعدم الاكتراث تدب في اوصال المجتمع ، واذا لم يتم التنبه لما يجري ، وربط الحوادث والقصص ببعضها البعض ، وقراءة نتائج الترابط ، فاننا سنصحو في عام 2008 وقد وجدنا انفسنا في مجتمع جديد ، كأن عدد سكانه الف مليون ، وحين نفقد ميزة البلد الذي يعرف سكانه بعضهم بعضا ، وكأن البلد ينجب بلدا اخر ، بما لذلك من نتائج على الروح المعنوية والتماسك والعلاقة مع المؤسسة العامة ، فاننا نكون قد دخلنا نفقا يتوجب خروجنا منه ، وهو الخروج الذي لا يكون الا بسلسلة اجراءات تنفس الاحتقانات ، وترفع الروح المعنوية للناس ، وتعيد الهيبة الى المؤسسة العامة. اللهم اشهد أني قد بلـّغت.