التعليم في الأردن صراع مالي أرهق الطبقة الوسطى والفقراء
يوسف ابو الشيح الزعبي
08-09-2011 08:00 PM
على الرغم من ان الدستور الأردني قد كفل حق التعليم واعتبره إلزامي في المراحل الاولى للطالب وتؤكد مواده على ان التعليم في هذه المراحل مجاني، الا ان التعليم في كافة المراحل سيما الاولى التي تشمل الابتدائية والاعدادية والثانوية لم ينطبق عليها هذه المزايا التي كفلها الدستور بل اصبح يستنزف الجيوب ويرهق الطبقات الوسطى والفقيرة من المجتمع بشكل لا يمكن السكوت عنه.
ان سوء التخطيط الاستراتيجي المزمن عبر الحكومات المتعاقبة والمؤسسات التعليمية ادى الى تردي مستوى واوضاع المدارس الحكومية وازدياد ظاهرة المدارس الخاصة التي تغولت على المواطنين بارتفاع أقساطها المدرسية دون حسيب او رقيب، فقد دخل رجال الاعمال بشكل خطير على هذه المهنة الشريفة واصبح أصحاب البزنس يتحكمون بقطاع التعليم الخاص وطغت المادة على التعليم واصبحت عنواناً وهدفاً لاغلب القيادات والخبرات التعليمة والتربوية او ممن هم قائمون على المدارس الخاصة، فأصبح التعليم تجارياً يبحث عن الربح السريع، وليس دليلاً على ذلك من مظاهر خدّاعة وزائفة تُظهر فيها هذه المدارس حسن تدريسها ونتائجها الباهرة في اعلاناتها واحتفالاتها، ما تقوم به غالبية المدارس الخاصة من تقديم منح مجانية لاستقطاب اوائل الطلاب قبل مرحلة التوجيهي من المدارس الحكومية.
وفي نظرة سريعة الى واقع المدارس الحكومية والبحث عن اسباب احجام المواطنين عن الحاق أبنائهم فيها ، سنجد انها متفاوتة في الامكانات والكفاءة من منطقة الى أخرى وفي غالبيتها دون المستوى، وسنجدها تشترك بتدني الخدمات، فضلاً عن تكديس أعداد كبيرة من الطلاب في الغرفة الصفية الواحدة، كما يتحدث العديد من المعنيين والمتابعين عن ضعف أداء المعلمين في المدارس الحكومية وذلك بسبب تردي أوضاعهم الاقتصادية والمعيشية والقوانين والانظمة المتراكمة عبر السنوات الماضية التي أثرت بشكل سلبي على مكانة المعلم وهيبته امام الطالب والمجتمع.
في ظل هذه الاجواء المتعلقة بتردي واقع المدارس الحكومية أضطر المواطن الاردني الغلبان"مجبراً اخاك لا بطل" على نقل أبنائه الى المدارس الخاصة رغم إدراكه بأن معاناته ستكون كبيرة جراء الاقساط العالية التي تتقاضاها المدارس الخاصة والتي تستنزف دخله، في مشهد اقل ما أصفه بأنه احتكار التعليم (الي بيدفع أكثر بعلم أبنائه بمدارس خاصة ذات إمكانات كبيرة ومعلمين مرتاحين) وبالتالي سيعاني أبناء الطبقات الوسطى وكافة الفقراء والحراثين جراء بقائهم في المدارس الحكومية او عدم قدرتهم الانتقال سوى الى المدارس الخاصة الضعيفة والتي تتقاضي في ذات الوقت اقساطاً عالية.
ولا بد من التنويه باننا لسنا ضد وجود المدارس الخاصة وعددها الكبير لكن يجب ان يجري تصنيفها الى فئات ومستويات حسب كل منطقة وتكون هناك معاير وضوابط لها من حيث أقساطها العالية المتعلقة بالرسوم المدرسية والمواصلات ورسوم الكتب والزي المدرسي ورسوم الرحلات والتبرعات وما يستجد من رسوم ومطالبات مالية غريبة عجيبة ، والاهم من ذلك يجب ان يكون بديلها الرئيسي اي المدارس الحكومية ذات مستوى مقبول ومريح لتلقي التعليم المناسب فيها كما كفل الدستور ذلك.
ولعلاج هذه المشكلة اقترح بأن لا تكون المدارس الخاصة خاضعة او تابعة الى دائرة التعليم الخاص بوزارة التربية والتعليم فقط ، لانه بسبب الموارد المالية الضخمة التي تمتلكها المدارس الخاصة اصبح تأثيرها كبير على قرارات التعليم الخاص الصادرة عن وزارة التربية والتعليم وبما يتناسب مع مصالحها الربحية الخاصة البعيدة عن الهدف التعليمي والتربوي النزيه، فعوامل الضبط والرقابة والسيطرة الحكومية والرسمية على المدارس الخاصة ظلت ضعيفة دون مستوى الطموح.
اما البديل المناسب للتخلص من الواقع الاستغلالي للمدارس الخاصة فهو من خلال نقابة المعلمين التي بارك انشاؤها جلالة الملك عبدالله الثاني والتي نتوسم بها نحن كمواطنين كل خير، حيث ان اقتراحنا هنا يتجه لاخضاع المدارس الخاصة الى رقابة وادارة النقابة، حتى يتسنى لنقابة المعلمين اصدار انظمة ولوائح جديدة تضبط عمل المدارس الخاصة، تعيد الامور الى نصابها وتضعها بشكل عادل ومتوازن مع المدارس الحكومية، كما اقترح بشدة بأن يتم إقتطاع مبلغ مالي من رواتب المعلمين شهرياً قيمة 5 دنانير او 10 دنانير على سبيل المثال او حسب ما تراه لجان المعلمين مناسباً يتم تخصيصها لصالح صندوق المعلمين الاستثماري بحيث يتم إدخال لحساب الصندوق جراء هذه الاقتطاع البسيط من الرواتب الشهرية للمعلمين اكثر من 5 ملايين دينار اردني شهرياً يمكن توظيفها لإنشاء مدارس خاصة تابعة للنقابة ومشاريع استثمارية في مجالات الاسكان والصحة والسياحة وغيرها تساهم في رفع مستوى المعيشة للمعلمين وترفد صندوق ادخارهم بمبالغ مالية كبيرة وتشكل داعم رئيسي للاقتصاد الوطني.
وللامانة القول بأنه رغم الواقع السلبي للمدارس الحكومية والخاصة، الا ان التعليم في الاردن ما زال متقدماً خطوات واسعة عما هو عليه في غالبية دول المنطقة وذلك بفضل حرص وثقافة المواطنين في الاقبال على التعليم، كذلك بفضل الرعاية التي يوليها جلالة الملك عبد الله وجلالة الملكة رانيا لرفع مستوى التعليم وتحسين واقع المدارس الحكومية في الاردن .
وما كتبناه هنا هو من باب حرصنا على نقل الصورة والواقع وتقديم الاقتراحات للمسؤولين ونقابة المعلمين المنشودة، كذلك الحفاظ على سمعة التعليم في الاردن والارتقاء بها نحو مراتب أفضل.
كاتب وباحث اردني
yousefaboalsheeh@hotmail.com