تشعر أن الدنيا مشوار تعب وقصة تختلف عن قصة غيرك.. تزهو فيها الحياة على بساطتها حين نتنعّم بالعافية، حتى إذا اطمأن الانسان لوجود العافية قربه غفل عنها ونسيها إلى أن تغفل عنه.
على فراش الوهن تتقلب فينا أرجوحة الحياة، يهدهدك الوقت موجوعاً حتى تتيبس أحلامك ويتضاءل حلمك ويضيق بك جسدك إلى أن تضيق به.
أمام سخاء المرض تنطرح بهزالك غير راغب في اليوم وغير راغب في الأمس وغير راغب في الغد، فتتذكر مقولة الأعرابية: لا بارك الله فيك أيها الوجع.
وفي تجربتك مع الدواء ومع المعاطف البيضاء، تتساءل عن جدوى الذي أنجزته في وقتك الذي مضى والذي لازلت تلهث إليه والذي لم تفعله بعد، ثم يخطر لك أن تقوم بجردة حساب لنفسك فترى نفسك دون رحمة الله قليلاً فتناجيه... اللهم هب لنا تمام العافية ويسّر لنا الشكر على العافية.
تنعكس في تقلبك أول الليل وآخره ظلال الذين مروا في حياتك والذين لا زالوا يمرون والذين لم يمروا بعد. تنظر حولك لترى بوضوح أكبر هذه الأرض تفيض بأبطال يصارعون الهواء ويصطنعون الخصوم.. على أي شيئ يتقاتلون؟ ، لكن جسدك المتعب يبدأ الغربلة: واحد، اثنان، ثلاثة..عشرة! ، انها كثافة المتساقطين من غربال ماانفكت تتسع فتحاته، يربكونك وهم يذوون من أمامك كورق شجر خريفي هرم، إلى النصف ثمّ إلى الربع. تملك الوقت مع دقّات الوجع لترى صروحاً تهوي وغباراً كغبار الطلع يتناثر، فيلحّ الندم لأنك لم تطرد عن عينيك قطعان العتمة من قبل ولأنك أدركت متأخراً أنك تزرع الرياحين في غير موضعها.
تعتصر ما تبقى من قطرات الدواء المركون إلى يسارك، وتستجمع عمرك وذكرياتك وآمالك، وحين تتذكّر أنك مجرد عابر طريق، تخلع عنك عوالق البشر وتتدثّر بحقّ الحالمين بالحياة. تمضي بإيمانك باحثاً عن ذاتك.. كثيرون قبلك وكثيرون بعدك ، وتتوه من جديد في الزحام.
ما أقسى العافية حين تخون الجسد وترحل.. لكنها الفرصة لأن ترى نفسك وترى الآخرين دون رصيد.
(الرأي)