سوريا: ثلاثة خيارات لتسريع التغيير
باتر محمد وردم
06-09-2011 07:13 AM
لا يزال المتظاهرون في المدن السورية يثيرون الإعجاب بمدى قدرتهم الفائقة على الصبر والتحمل والشجاعة في مقابل آلة قمع قاسية ولا تحمل أية مظاهر للرحمة، ربما لم يشهد العالم العربي مثيلا لها في تاريخه الحديث، إلا إذا قورنت بماكينة القمع البعثية "الشقيقة اللدودة" في العراق منذ سنوات!
يدرك المتظاهرون في سوريا أنهم تجاوزوا منذ مدة طويلة نقطة اللاعودة. بالنسبة لكل شخص خرج في مظاهرة أو رفع يافطة أو كتب مقالا أو صاح صيحة اعتراض أو هتف منشدا وزاجلا أو حتى تمكن من إيواء مطارد، لا يوجد فارق حقيقي بين التعرض للموت الفوري في أية مظاهرة وما بين التعرض للتعذيب والقمع في أثناء الاعتقال في حال توقفت المظاهرات ونجح النظام في إعادة سيطرة القبضة الحديدية على المجتمع السوري.
ما يحدث في سوريا حاليا هو حالة صراع قد تكون استثنائية في تاريخ الثورات العربية وغير العربية، فهنالك شعب قرر وبمنتهى الجرأة والشجاعة أن يقول كفى لعقود من الاستبداد والفساد وهنالك نظام غير قادر أبدا، بحكم التكوين والعقلية على أن يتقبل مطالب الحرية التي يرفعها المتظاهرون، وهو نظام يدرك بأنه لم يكن قادرا على الحكم إلا باستخدام ثنائية القوة الأمنية الداخلية والترويج لنظرية الممانعة الخارجية (بشرط أن يدفع الثمن الآخرون مثل الفلسطينيين واللبنانيين). لقد سقطت الآن وبشكل نهائي حجة الممانعة ولم يعد أمام النظام سوى المزيد والمزيد من البطش لعل ذلك يوقف شجاعة المتظاهرين ويزرع فيهم الخوف.
هنالك ثلاثة خيارات فقط لتسريع التغيير الحتمي في سوريا والتقليل من الخسائر البشرية والأرواح التي تذهب شهيدة لمبادئ الحرية. الخيار الأول هو تمرد منظومة مؤثرة في الجيش السوري ووصولها إلى نقطة لم تعد فيها قادرة على الاستمرار في قتل الناس أو مشاهدة ذلك والسكوت عليه. حتى الآن تبدو الكتائب والمجاميع العسكرية من شرطة وجيش وشبيحة تحظى بقدر كاف من التماسك ربما لأنها تدرك بأنها تخوض معركة بقاء وليس فقط صراعا على السلطة، وكل الأفراد القلائل من الجيش أو الأمن الذين يتمتعون بالضمير الكافي لرفض أوامر القتل تتم تصفيتهم جسديا أو التخلص من تأثيرهم الميداني. هذا الوضع في سوريا هو بعكس مصر وتونس عندما انحاز الجيش للمتظاهرين ولمصلحة الدولة وبالتالي حسم الموقف نحو نجاح الثورة.
الخيار الثاني هو تحرك الكتلة الحرجة من السكان في مدينتي دمشق وحلب فحتى الآن لا يزال المركز السياسي والمعقل الاقتصادي لسوريا بعيدين عن الأحداث. ويبدو أن الشعور الإنساني بالخوف والقلق من المجهول، والاستعداد في "الاستمرار بالعيش" بشتى الظروف الحالية أكثر سيادة على القرار من النزعات نحو التغيير، وبدون أن يحدث تحرك حقيقي ومؤثر من قبل سكان دمشق وحلب سيتمكن النظام من الاستمرار في ممارسة خيار القمع في المدن الأخرى.
الخيار الثالث هو التدخل الخارجي سواء سياسيا من خلال عزل تام ونهائي للنظام السوري في المحافل العربية والدولية، واقتصادي من خلال عقوبات تؤثر على النظام وليس على الشعب مع أن ذلك يبدو صعبا في ظل السيطرة المركزية للدولة على الاقتصاد وكون القطاع الخاص يتكون من أبناء المسؤولين الرسميين. ويبقى الخيار الذي لا يحبذه أحد وهو التدخل العسكري الخارجي والذي يبدو صعبا جدا من الناحيتين العسكرية واللوجستية نظرا لسهولة الغرق في مستنقع شبيه بالعراق كما أن دولا مثل تركيا ستدفع ثمنا باهظا لأن اي تدخل عسكري سيكون من خلالها نظرا لعدم إمكانية قبول لبنان والعراق لهذا التدخل لأسباب طائفية.
وضع سوريا يمثل معضلة أخلاقية وسياسية كبيرة والثمن الذي يدفعه الشعب السوري باهظ ومن الممكن أن يتضاعف هذا الثمن وسط الصمت الداخلي والخارجي الذي يتحمل مسؤولية كبيرة في مواصلة القمع.
batirw@yahoo.com
(الدستور)