"ويكيليكس" إذ تثبت مجددا غباء السفارات الأميركية
ياسر ابوهلاله
06-09-2011 06:51 AM
في عملي في العراق، لمست كم نبالغ في تقييم القدرات الأميركية، وخصوصا في جمع المعلومات وتحليلها في سبيل فهم الشخصية العراقية. وهي مهمة تضطلع بها الدوائر الدبلوماسية والاستخبارية والعسكرية والاقتصادية. فقراءة المجتمعات البشرية تتطلب تفوقا في العنصر البشري لا في أجهزة التنصت والاستشعار والرصد عبر الأقمار الاصطناعية والطائرات بطيار وبدون طيار. ذلك العمى المعلوماتي لعب دورا حاسما في هزيمة الأميركيين في العراق.
لا يستطيع الأميركيون أن يرصدوا، على سبيل المثال، وجود، فضلا عن قوة التيار الصدري في الأوساط الشيعية. وراهنوا على أحمد الجلبي الذي احتاجوا سنوات ليتكشفوا أنه مجرد نصّاب وعميل مزدوج لهم ولإيران. السبب ببساطة أن الجلبي يجيد الإنجليزية وحليق اللحية والشارب، أي يشبههم. وهي مواصفات لا تنطبق على التيار الصدري. الفشل الأميركي في العراق تكرر مع الربيع العربي. وخسر الأميركيون كثيرا عندما وقفوا مع الأنظمة التي اعتقدوا أنها راسخة.
حتى القذافي تبين، حسب الوثائق التي استولى عليها الثوار، أنهم يتعاونون معه ويدعمونه.
من يقرأ وثائق "ويكيليكس" عن الأردن يلاحظ الغباء ذاته. فالقوى المجتمعية الحقيقية، سواء كانت الإسلاميين أم النقابات أم حراك المعلمين والحراكات العمالية النقابية، تغيب أو تضمر لصالح سجالات النخب الليبرالية والمحافظة. وهي نخب غير متجذرة في الشارع، تأتي بقرار وتذهب بقرار. ولم نلاحظ أن أيا من تلك الشخصيات التي يتكرر ذكرها في الوثائق قد خرج عشرة متظاهرين يحتجون على إقالته أو عشرة آخرون يطالبون بعودته.
والأدهى من ذلك الإبحار الأعمى في لجّة الهوية. ومن الواضح أن الدبلوماسيين لا يعرفون شيئا عن تاريخ البلاد، وتقتصر معرفتهم على هتافات مدرجات كرة القدم وهمسات صالونات عمان.
ويفتقر الدبلوماسيون إلى الوعي الكافي بإشكاليات الهوية عالميا. ومن المؤسف أن يضيف التحليل الأميركي الغبي تضليلا جديدا لا إضاءة جديدة.
في نظرة استشراقية ساذجة، يصنف الأردنيون بعد توزيعهم من أصول شرق أردنية وفلسطينية بحسب الوظائف العامة، من رئيس وزراء إلى رئيس ديوان إلى مدير مخابرات. مع أن المجتمع أوسع من ذلك.
في المقابل، تتحدث البرقيات ببساطة عن تزوير الانتخابات والتدخل فيها، مع أن صدر الدستور يعرّف نظام الحكم بأنه "نيابي ملكي". والسفير الذي أشاد بانتخابات 2007 علانية يصف مجلس النواب بأنه "حثالة"، وتتحدث التقارير عن العبث بالمجلس وكأنه أمر طبيعي.
يستبسل السفير في نفي صلة القرابة "القريبة" بين باسم عوض الله ورجل الأعمال محمد داود، مع أني سمعت من عوض الله نفسه في عز الأزمة صراحة عن قرابته المباشرة المثبتة في سجل الأحوال المدنية، وشراكته المثبتة في سجل الشركات. يكذب السفير في الدفاع عن مسؤول تنفيذي، ولا يدافع عن نواب تعرضوا للتزوير والتشويه والاغتيال المعنوي مع أن الشعب اختارهم، سواء من أصول شرق أردنية أم فلسطينية.
شكرا "ويكيليكس"، لقد اكتشفنا جهل المؤسسة الأميركية، وأكثر من ذلك تعمدها التضليل والتزوير، سواء لتمرير مصالح عامة لأميركا أم مصالح شخصية للدبلوماسيين.
المقالة عن الغد .. والصورة لمبنى السفارة الامريكية في عمان ..