في معرض ترويجه لكتابه، يقول ديك تشيني- نائب الرئيس الأميركي السابق- بأن رؤوسا ستنفجر حال خروج كتابه للأسواق. قمت بشراء نسخة وقرأتها لعلي أجد منظورا جديدا لفهم ما حصل في تلك السنوات، والكتاب الذي حمل عنوان: «In My Time: A Personal and Political Memoire» جاء أحاديا كما هي سياسة مؤلفه. وبالرغم من بعض التفصيلات الجديدة، لم يخرج الكتاب عن السياق الذي نعرفه، والفكرة الرئيسية هي أن كل ما قام به كان صحيحا وأن منتقديه كانوا على خطأ، ولم يسلم من نقده القاسي حتى كولن باول وجون ماكين إذ يروي قصصا- لا مجال لذكرها في هذه العجالة- عن الأخير فيها جانب كبير من السخرية.
يدافع تشيني عن تعذيب السجناء لأن المعلومات التي انتزعت ساهمت في تعزيز الأمن على حد ادعائه. والأهم أنه يستخف بالصراع العربي الإسرائيلي، فنجده- على سبيل المثال- يحاول اقناع أحد زعماء العرب بتأييد أميركا في حربها في العراق، وعندما طلب منه هذا الزعيم أن تقوم أميركا بعمل ما للمساهمة في حل الصراع كان رده أن أميركا تحاول منذ عقود دون فائدة. ويقول بأنه كان قد اقترح على الرئيس قصف موقع سوري «نووي»، لم يوافق الرئيس لكن إسرائيل قامت بالمهمة، طبعا تحالف تشيني مع متطرفيّ الحكومة الإسرائيلية كان معروفا.
الكتاب يسلط الضوء على خلاف تقليدي متعلق بالسياسة البيروقراطية التي كتب عنها غراهام اليسون كتابه المشهور، فالخلاف بين البنتاغون ووزارة الخارجية ليس بجديد، لكن الجديد هو عمق الخلافات.
باختصار، لن يثير الكتاب الضجة التي أرادها تشيني وأن الرأس الوحيد الذي يغلي هو رأسه لأنه كان سببا رئيسيا في تراجع مكانة أميركا مع أنه يلقي باللوم بشكل غير مباشر على رئيسه، فالأخير طلب منه منذ اليوم الأول أن يكون شريكا في الحكم، لكن لا يروي تشيني كم مرة تجاوز هذا التفويض كما كان واضحا في فضائح ليبي وغيره. اللافت أن مفردة «التواضع» ليست واردة في قاموس تشيني، فهو لا يعترف ولو بمجرد خطأ واحد ارتكبه خلال السنوات العجاف الثماني التي ساهمت في تراجع مكانة أميركا بحيث أصبحت- على حد تعبير ارون ديفيد ميلر: «أٌقل احتراما وأقل مكانة وخصومها لا يخشونها كما كانوا». سأكتفي بهذا لأنه لا غنى عن قراءة الكتاب حتى يتعرف القارئ على تفاصيل لم تكن معروفة من قبل عن بعض مفاصل السياسة الأميركية.
hbarari@gmail.com
(الرأي)