إشتعلت الساحة السياسية المحلية خلال عطلة العيد وماتلاها بأخبار الصراع المعتاد للنخب السياسية ، فإندلعت الإتهامات المتبادلة بالفساد وسوء الإدارة ، وتراشق السياسيون التقليديون الذين إعتادوا تبادل الكراسي الموسيقية فيما بينهم في السنوات الماضية بأبشع الأوصاف ، وزمجر كل طرف معلنا نقاء سيرته وصفاء سريرته مع نزع كل قيمة إيجابية عن الأطراف الأخرى التي تستحق الويل والثبور وعظائم الأمور.

وماجعل هذه القروش الكاسرة تخرج عن طورها وتلقي الإتهامات يمنة ويسرة هو أنها إشتمت رائحة الدم ، فالأيام والأسابيع المقبلة حبلى على مايبدو بالكثير من التطورات والمتغيرات والمواقع الشاغرة ، وقد إعتادت هذه النخب السياسية على إصطياد الفرص وإقتناص اللحظة المناسبة للإنقضاض على الغريم والتخلص من المنافس كي تخلو لها الساحة وتنفرد وحدها بالميدان ، ومن يدري فقد يبتسم الحظ وتعود الايام الغابرة الى سابق عهدها وينفض الغبار عن مجد أوشك أن يزول ومهابة كادت ان تمحي .

اما الحكمة الأثيرة لدي هؤلاء المتصارعين على الكراسي فتقول ان النجاح والوصول الى المراكز المنتظرة لايمكن أن يتحقق الإ على جثث الآخرين ، فالمواقع التي يتنافس عليها هؤلاء في هرم السلطة لاتتسع بطبيعتها للكثيرين ، وحتي يستعيد احدهم "فردوسه المفقود" فإن تشويه الخصوم وتسويد صفحتهم يجب ان تكون الخطوة الأولى والأهم لإخراج كل المنافسين من السباق وحذفهم من قائمة المرشحين المحتملين لشغل هذه المواقع .

ومن طبائع هؤلاء أنهم لا يخوضون معاركهم وجها لوجه بل لديهم كتائب من المريدين والتابعين يحركونها وقتما يشاؤون . ولدى تلقيهم الإشارة فإن هؤلاء الأنصار والأتباع يعرفون أن عليهم أن يخوضوا حربا ضروسا على جبهتين : جبهة شيطنة الخصوم وإظهار عيوبهم ونواقصهم الحقيقية والمفترضة وجبهة الترويج لولي النعمة والتذكير بمحاسنه ومزاياه الحقيقية والمتخيلة .

لكن المتصارعين على الكراسي هذه المرة ينسون حقيقة جوهرية وهي ان الجميع قد مل الطرق القديمة والاساليب التي جربت في السابق ولم تقدم للوطن الخير الموعود، والأرجح أن صاحب القرار سيعجم عيدانا جديدة فيختار اصلبها عودا وأشدها مكسرا ليضع ثقته في فريق قادر في المواقع التي سيطالها التغيير على تحقيق الأهداف الوطنية في هذه المرحلة الدقيقة والظرف الحساس . وليس من المعقول أن تسير الامور وفق الآليات القديمة والمسالك المعتادة ..وكأن شيئا لم يكن .

* العين د . نبيل الشريف