يتحدث الناس في الأردن عن موظف في دائرة حكومية، كان يتقاضى 270 دينارا في العام 1998، وبات الآن يمتلك، ويُدير استثمارات بملايين الدنانير، وعندما يلفظون اسمه يتخافتون صوتا، ويُكثرون من التلفّت يمنةً ويسرة، مع أنه بصفة شخصية يفتقر إلى أي نوع من أنواع الحصانة، ولكنه الخوف المزمن، والصمت على الغيظ!
ووسط حديث الأردنيين المتهامس، وقد عدنا بقوة الى "الهمس" والخوف من "الحيطان" وآذانها، سمعنا جميعا قبل يومين آخر طرائف الحكومة التي تصدت بقوة لتلوّث المياه والشاروما، وأجرت انتخابات بلدية "نزيهة جدا".. بعدما سارع رئيسها إلى تطبيق قانون إشهار الذمة المالية لسنة 2006، إذ توجّه معروف البخيت إلى وزارة العدل، وقدم اقرارا بممتلكاته!
طرائف الخطوة الحكومية المباركة لا تقلّ عن طرائف القانون نفسه الذي خصص دائرة لإشهار الذمة المالية، وأتبعها الى وزارة العدل، مثلما يتبع القضاء ماليا وإداريا إلى وزارة العدل!
مطلوب من هذه الدائرة العتيدة أن تستقبل 3600 اقرار عن ممتلكات المسؤولين الحكومين، أي أن الحكومة ستراقب نفسها، وستراقب ثراء فريقها غير المشروع، وتستطيع، كما تشاء، بعدئذ، أن تحدث بصوت عال عن الشفافية، وسيادة القانون، وعن استقلال السلطات طبعا، وفي مقدمها السلطة القضائية؟!
والدائرة، تعمل وفقا لقانون، جاء في سياق محاربة الفساد، ما يُعطي انطباعا أن الحكومة أنجزت ما عليها فعلياً، وأن المسـألة في ما بعد تتعلق بالضمائر، أو بأية ملاحظة عن ثراء غير مشروع، تستلزم التحقيق فيها، والمسارعة الى فتح مغلفات موجودة في حرز حريز لدى الدائرة التي ستطابق بين محتواها، وبين أموال المسؤول المنقولة وغير المنقولة!!
كلّ ذلك في إطار انطباعي، يجري توظيفه في سياق دعائي عن محاربة الفساد، وحراسة المال العام، لكن حقيقة الأمر أن الرقابة على الفسادين المالي الاداري، ومنع أي عبث أو هدر، أو سوء أمانة ما تزال تتبع الى هياكل ولجان لا صلاحيات فعلية لها، وإن وُجدت بعض اشكال تلك الصلاحيات فهي تسري على موظفين صغار، ولا يُمكن بأية حال من الأحوال أن تطال المتنفذين، الذين يعرفون جيدا كيف تُنتهك القوانين، وكيف يُمكن الالتفاف على نصوصها، والافلات من الملاحقة!
هذا القانون لن يكافح الفساد والاستقواء بالمنصب العام، وهو محض خطوة استعراضية مكشوفة تماما، ولا يُمكن أن تنطلي على أي أردني، ولو كانت الدولة جادة في شنّ حرب حقيقية على الفساد، لعمدت أولا إلى فكّ الارتباط المالي والإداري بين القضاء والحكومة، وألغت ثانيا القوانين العرفية والكثيرة التي تتحكم بالصحافة والطباعة والنشر، وأسست هياكل مستقلة فعلا، تحارب الفساد، وتحرر القانون نفسه من التبعية والاذعان لأي قوى غير دستورية، ليكون سيّدا على الجميع!