رغم حديث جهات حكومية حول كون العام المقبل هو عام "تعويم الاسعار" الا انني اعتقد ان الغاء وزارة التموين تسبب في كارثة يكتوي الناس اليوم بنتائجها. لا يوجد بلد في الدنيا يترك الاسعار تنفلت على راحتها وكما يريد التجار والبائعون والمستثمرون ، وحتى في الدول الغربية ، يتم كبح جماح الاسعار بطرق مختلفة ، ابرزها الضرائب المفروضة على التجار ومبيعاتهم وارباحهم ، وهي وسيلة غير مباشرة ، لجعل التاجر يضطر لخفض اسعار سلعته حتى لا يتكبد مبالغ مالية كبيرة للضرائب.ما يجري في السوق ينطبق على كل اطراف المعادلة ، فالجامعات والكليات وباعة السيارات وقطع الغيار والادوية والملابس ، وكل السلع والمنتجات يتصرفون على راحتهم ، ولا احد يوقفهم ، وقد لا تعرف الحكومة الحالية انها منذ ان اعلنت عن نيتها برفع اسعار المشتقات النفطية قبل اسبوعين ، باشر كثيرون برفع اسعار منتجاتهم ، سلفا ، وحين تم تأجيل القرار بقي كل شيء على سعره الجديد ، فلا احد يراقب ولا احد يسأل.
اذا كانت الحكومة لا تريد اعادة وزارة التموين ، كونها متخصصة بالمواد التموينية ، فان الاصل هو ايجاد هيئة اقتصادية لمراقبة الاسواق والتسعير ، ووضع حد اعلى للربح ، عبر تحديد نسبة الربح ، ووضع عقوبات في حال تجاوزها ، لكبح جماح السوق ، فالاردني يتعامل مع رفع يومي للسلع والمنتجات ، وفي بلد تدب في اوصال تجاره ، الغيرة والتحاسد ، فاننا نجد انقلابا في المعادلة ، فنجد ان تاجرا واحدا يرفع اسعار منتجاته ، يؤدي الى قيام الاخرين برفع اسعار منتجاتهم ، بدلا من العكس ، أي تكسير الاسعار ، والمنافسة.
اذا اراد احدهم ان يشتري خضارا وفواكه لبيته ، فأمامه حل واحد هو الذهاب لاي محل محترم لشراء نوعيات جيدة ، اما المواطن العادي ، فنجده في الاسواق الشعبية يشتري نوعيات رديئة ، بأسعار منخفضة ، وهي نوعيات غالبا ما تحمل مشاكل من نوع ما ، والامر ذاته ينبطق على بقية السلع ، فكل سلعة رخيصة اليوم هي سلعة رديئة ، والسلعة الجيدة مرتفعة الثمن.
نظرية تعويم الاسعار تصلح فقط في بلدان ذات اقتصاديات نفطية ، او اقتصاديات غنية ، اما تطبيق تعويم الاسعار الكلي من جانب أي حكومة في بلد ما زال ناميا ، ويعاني من وجود طبقة فقيرة كبيرة ، وطبقة متوسطة تزحف على بطنها ، فهذا باختصار يعني اطعام الناس للتجار ، وتحول المواطنين الى حطب في موقد الغلاء والليبرالية الجديدة ، التي تتعامل مع الانسان باعتباره مجرد رقم ، يمكن شطبه او الغاؤه او اعادة انتاجه في حالات اخرى.
تعويم الاسعار وهو الامر الحاصل فعلا منذ سنوات ، في كل القطاعات ، هو امر لا يمكن القبول به ، خصوصا ، ان نظرية المنافسة في السوق المفترض ان تنخفض الاسعار بسببها ثبت فشلها ، في مجتمع يتسابق تجاره على من سيكون الاكثر بطشا بالناس ، ولا احد يجيبك حين تسأله .. من الذي يمنح التاجر او مدير المدرسة او بائع الدواء ، حق سرقة مال الناس ، بذريعة الحرية الاقتصادية ، وهي الحرية التي لا نرى فوائدها في الجانب الاخر.
في كل الحالات ، يتصرف المنتجون والتجار والباعة بطريقة وحشية ، مع المستهلكين ، وهم يشعرون بالامن والامان ، فلا احد يراقبهم ولا احد يسألهم ، في بلد تغيرت طباع من فيه ، حتى انك اذا عطشت اليوم في أي مكان لا تجد من يمنحك شربة ماء دون دفع ثمنها مسبقا.