التعديلات الدستورية التي جرت على دستور عام 1952 قد جعلت عملية التحول الديمقراطي في الاردن تعاني من اشكالية في العلاقة بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية بصورة اصبحت معها المؤسسة التنفيذية غير المنتخبة تهيمن على السلطة التشريعية المنتخبة وتسمو عليها. وهو ما يتعارض مع الدستور الاردني الذي ينص على ان الامة مصدر السلطات، ويتعارض ايضا مع ابسط مبادىء النظام الديمقراطي، الذي يرى ان الشعب هو صاحب السيادة ومصدر الشرعية.
ومن الصور والمظاهر الدستورية التي تؤكد تغول السلطة التنفيذية على البرلمان تمتعها بصلاحية حل مجلس النواب، والتي قد تلجأ لها كوسيلة تهديد بهدف تمرير سياساتها وبرامجها وقراراتها لشعورها بان البرلمان يخشى الحل. اضافة الى ان الحكومة تستطيع ممارسة صلاحيات تشريعية تتمثل في اصدار القوانين المؤقتة واقتراح مشروعات القوانين بحجة مسؤوليتها عن امور الادارة والسياسة الداخلية والخارجية في الدولة، ولا شك ان هذا الدور التشريعي الذي تقوم به من شأنه ان يساعدها في اختراق صلاحيات البرلمان في مجال التشريع. ومن مظاهر قوة الحكومة الاخرى انها اعطيت صلاحية ادارة العملية الانتخابية وما ينشأ عنها من تكوين السلطة التشريعية نفسها.
إن التعاطي الأردني الحكيم والناضج والمدروس مع مطالب الإصلاح السياسية والاقتصادية، وما نتج عنه من تشكيل لجنة ملكية لمراجعة الدستور، انما يأتي لمعالجة على هذه الاشكالية وتأثيراتها السلبية على العلاقة بين الحكومة والبرلمان بهدف النهوض بالحياة السياسية في السياق الدستوري والارتقاء بالعمل السياسي والديمقراطي المؤسسي من خلال تكريس المشاركة الشعبية وتعزيز مبدأ الفصل بين السلطان بصورة فاعلة، وذلك ادراكا من قيادتنا الهاشمية الملهمة بمتطلبات المرحلة، وهي التي جعلت من الاصلاح والتعددية السياسية والحزبية وتفعيل القوانين والتشريعات الناظمة لحقوق الانسان وحرياته من اولويات الاجندة الوطنية. من هنا فقد جسدت التعديلات المقترحة من قبل اللجنة الملكية المكلفة بمراجعة نصوص الدستور، العودة الى دستور 1952 عبر تناولها مفاصل اساسية وجوهرية في الحياة السياسية، تمهيدا لدخول الاردن مرحلة سياسية جديدة تهدف الى تكريس مبدأ التوازن بين السلطات عبر اليات دستورية.
لقد انطوت هذه التعديلات على تحصين للسلطة التشريعية من خلال ربط حل مجلس النواب باستقالة الحكومة، وان تتولى هيئة وطنية مستقلة عملية ادارة الانتخابات، ووقف اصدار القوانين المؤقتة الا في حالات الحرب والكوارث الطبيعية والنفقات المالية التي لا تحتمل التأجيل. وزيادة مدة دورة مجلس النواب العادية الى ستة اشهر قابلة للزيادة لتصبح تسعة اشهر. ما يؤشر الى ان هذه التعديلات التي تجسد علامة فارقة في تاريخ الاردن السياسي، تضمن تفعيل دور السلطة التشريعية في الحياة السياسية بكل فاعلية، وذلك انسجاما مع الاطار العام لمهمة اللجنة الملكية من حيث العمل على كل ما من شأنه النهوض بالحياة السياسية والارتقاء بالاداء السياسي النيابي، وصولا الى صيغة دستورية تمكن مجلس الامة من القيام بدوره التشريعي والرقابي بكفاءة واستقلالية.