لو عاد أحدنا بخياله إلى عامين فقط قبل هذا التاريخ، وقيّض له أن يسأل مواطناً تونسياً، هل تصدّق أنّ تونس بعد عامين ستنتفض على زين العابدين وتتحدى نظامه البوليسي وتنجز ثورة تاريخية غير مسبوقة في العالم؟!
ماذا نتوقع أن تكون ردّة فعل هذا المواطن! أحسب إمّا أنّه سينفجر ضحكاً ويقع على ظهره، وهو يحاول الإمساك بنفسه، أو أنّه سيظن السائل مخبراً، وسترتعد فرائصه، ويتولى الردّ عليه بتعداد محاسن النظام الكبير وإنجازاته، أو يكتفي بالهروب وتجاهل السائل!
ما حدث في تونس ومصر وليبيا لم يكن في الحسبان ولا التوقعات، حتى لأكثر الأجهزة الأمنية العالمية احترافاً، فهو تطور –بالتأكيد- غير طبيعي، ضمن المعطيات التي كانت تغلّف المشهد العربي خلال السنوات الماضية.
اليوم، يأتي العيد ونحن أمام مواطن عربي (في تونس ومصر وليبيا، وحتى اليمن) مختلف تماماً، لأول مرة منذ قرون طويلة يشعر أنّه لا يخشى السلطة، ولا يتنازل عن حقوقه الإنسانية، ولا حريته، ولا كرامته، ولا يجفل عندما يمر بالقرب من مخبر أو رجل أمن، ولا ترتعد فرائصه إذا كان في جلسةٍ تحدث أحدٌ فيها بأمر يمس "الزعيم" التاريخي!
لم يعد هنالك زعماء فوق القانون، كأنهم نصف آلهة، هم لا يخطئون ولا يحاسبون، ولا تصل السقوف إلى أحذيتهم، برغم أنّ رائحة الغباء والفساد كانت تزكم الأنوف! وهو ما أثبتوه بجدارة يحسدون عليها بعد أن سقط قناع السلطة عنهم، وفضحت شخصياتهم الحقيقية.
هذا العيد يمرّ على المصريين والتونسيين والليبيين وقد تحرروا بالمطلق من الاستبداد والدكتاتورية، واقتحموا بأيديهم وتضحياتهم عتبة العصر الديمقراطي، وقد تجاوزوا رهانات الفشل، فهم في الطريق إلى تكريس ديمقراطيات عصرية.
أمّا اليمن، فإنّ الشعب قطع أغلب المسافة، ولم يبق إلاّ تتويج الثورة رسمياً، والإعلان عن قيام النظام الديمقراطي الجديد، فيما تتأهب دول عربية جديدة للدخول في مخاض اللحظات الانتقالية الحاسمة، بموازاة اقتراب الوجبة الثانية من التحول من الانتهاء.
كنّا نأمل ونتمنى أن يأتي العيد وقد حقق الأشقاء السوريون حلمهم بالوصول إلى حقهم الطبيعي في الحرية، وأنجزوا مهمتهم التاريخية بالثورة، والوصول إلى نظام ديمقراطي مدني، وأثبتوا أنّ كل ما يتم التخويف به من حرب أهلية وفتنة وفوضى، هو ليس في قاموس الشعب السوري ولا ثقافته.
الطائفية هي فقط في أجندة النظام، وهو الذي يحاول إشعالها، بقصف المآذن واقتحام المساجد وإهانة عقائد الناس، فهذا السيناريو الوحيد (نذر الحرب الأهلية) بمثابة الفزّاعة الأخيرة لإحداث انقلاب في المجتمع الدولي لصالح النظام ولتخويف الشارع مما هو أسوأ!
بالرغم من أنّ العيد يأتي قبل إنجاز المهمة، إلاّ أنّ الشعب قطع أكثر من نصف الطريق، وتجاوز ما وقع من فظائع يندى لها جبين البشرية ارتُكبت بحق المدنيين والعزل، وهو اليوم يواصل مسيرته نحو الحرية بعزيمة أكبر، وقد دخلت دمشق وحلب بقوة على خط الثورة، ولم تبق مدينة ولا محافظة إلاّ أعلنت العصيان على النظام!
إذن، من حق السوريين أن يبدأوا العيد بفرحة حقيقية، ذلك أنّهم أثبتوا أمام العالم بأسره ما هو المعدن النفيس لهذا الشعب الشجاع، وردّوا الاعتبار لأنفسهم، وكسروا ما تبقى من حواجز بينهم وبين هدفهم الكبير، وتجاوزوا بثورتهم في التحدي والوفاء والصبر والإصرار الثورات الأخرى.
عيد سعيد على المواطن العربي، وقد حقق إنجازات عظيمة خلال الأشهر الماضية، يستحق أن يفرح لها، وقد كان قبلها في مستنقع آسن!
الغد