الملاحظ في المشهد المحلي ان أي مخرجات تطلقها الجهات الرسمية لا تلقى قبولا او ارتياحا من الشارع, على العكس تماما تُواجَه كل القرارات والسياسات والخطط بانتقادات حادة حتى قبل ان تطلق, حتى وان كان بعضها في الصالح العام, فهو اليوم غير مقبول.
تلك مشكلة رئيسية بين اطراف المعادلة السياسية في المملكة, فالثقة معدومة بين السلطات الثلاث والمواطنين, وهذا الامر انعكس جليا على العلاقة بين النظام السياسي والمجتمع, والكل يلاحظ كيف تحول النقاش من مطالبة الشارع بتعديل الدستور الى تعديل صلاحيات الملك من قبل بعض القوى رغم انه لغاية يومنا هذا لا يوجد اي مؤسسات في المجتمع سواء كانت رسمية او اهلية مؤهلة لتولي تلك الصلاحيات التي تحتاج الى تطور نوعي في الحياة السياسية المحلية وتدرج ضمن برنامج اصلاحي يمتد لسنوات حتى تتأهل القوى لهذه المرحلة.
رتابة المشهد المحلي بكل مكوناته انعكست على العلاقة بين كافة فعاليات المجتمع, فالحكومة لا تحظى بحضور في الشارع, والمشهد مشابه ايضا لمجلس النواب, فالجميع ينظر الى تلك السلطتين على انهما جزء من المشكلة الداخلية, وليسا مؤهلين لحل القضية الراهنة في المجتمع.
فجوة الثقة تزداد يوما بعد يوم, ولا يمكن ان تسير مسيرة الاصلاح من دون ترميم تلك العلاقة بين النظام, فكل شيء بات غير مقبول حتى وان كان ايجابا, فحالة الرفض هي السمة الغالبة على سلوك المجتمع.
الكل شاهد سلوك النواب في جلسته الاخيرة والتي ابدى غالبيتهم عدم مبالاتهم في المدة الزمنية التي حددها الملك في اقرار التعديلات الدستورية وهي شهر, فهم يطالبون بوقت اضافي حتى يتسنى لهم البقاء اكبر وقت ممكن, والحقيقة ان لعبتهم مكشوفة للرأي العام, فهم سيناقشون التعديلات التي لا يمكن اقرارها الا بواسطتهم, وسيلحقها بعد ذلك تعديل 12 قانونا متعلقا بها, وهذا الامر يجعلهم في مركز قوة من الناحية النظرية لاطالة عملية النقاش الى اطول فترة ممكنة, متناسين ان معركة الاصلاح هي معركة وقت لا اكثر ولا اقل, الشيء غير المتاح للنقاش اليوم سيكون غدا متاحا, وما هو مقبول اليوم سيكون مرفوضا في الغد.
الحل هو تجميد عملية اقرار التعديلات الدستورية في الوقت الراهن وحل البرلمان واعلان موعد للانتخابات واقالة الحكومة, حتى يتسنى للمجتمع اختيار ممثليه الحقيقيين وفق قانون انتخاب مؤقت في المرحلة الاولى وان يضمن النظام نزاهة تلك العملية, هذا الاجراء سينفس حالة الاحتقان لدى الشارع بشكل كبير, عندها تكون الدولة بمؤسساتها قادرة على التعامل مع التعديلات الدستورية وفق منظومة اصلاح شاملة.
لا يمكن ان تتطور اي عملية اصلاحية من دون ترميم العلاقة بين مكونات المجتمع, وهذا لا يكون الا بتفعيل القانون, وتعزيز المساءلة والشفافية في السياسات والاجراءات المختلفة, فالاصلاح بحاجة الى ادوات مقنعة لدى الشارع ولها مصداقية عالية, وهو امر للاسف غير متوفر في الوقت الراهن لدى السلطتين التنفيذية والتشريعية. الاردن بحاجة الى ولادة مؤسسات سياسية جديدة تكون اكثر قربا من الشارع وقادرة على ترجمة التوجيهات والرؤية الملكية ضمن برنامج عمل واضح المعالم.
salamah.darawi@gmail.com
(العرب اليوم)