سنوات قليلة فقط تفصلنا عن مرحلة سياسية صعبة مرت على الأردن خلق فيها مسؤولون حالة من الاستقطاب السياسي ساهمت في نهاية الأمر في التدهور الذي لحق بهيبة المؤسسات العامة في وقت كنا فيه بأشد الحاجة للحفاظ عليها، فلا يعقل التدهور الذي أصاب مكانة المنصب العام والمؤسسات الرسمية ما خلق حالة من التطاول عند الكثيرين. وكان لتدخل الملك الأثر الأكبر في انهاء الحالة المثيرة للشفقة آنذاك.
وظننا بأننا تجاوزنا المرحلة، وبخاصة بعد أن وفر الربيع العربي فرصة كبيرة للمضي قدما بالاصلاح، لكن أحيانا تظهر محاولات بائسة لجر الجو السياسي العام لحالة من الإستقطاب السياسي وغير السياسي مع أننا بحاجة لبلورة توافقات سياسية حتى نتمكن من انجاز مشروع الإصلاح الذي يحظى باهتمام ملكي كبير. فالجميع يدرك أن الإصلاح لم يعد ترفا لأن المرحلة التي نمر بها تطرح العديد من الأسئلة تستوجب التغيير، وهو ما استبطنه رأس الدولة وسارع في التعبير عنه من خلال لجنتي الحوار الوطني ولجنة التعديلات الدستورية.
وعلى نحو لافت هناك وكالة أنباء عالمية تصر وبشكل ممنهج على خلق حالة من الاستقطاب في الأردن، وللأسف يقع البعض ضحية لهذا الخبث البعيد كل البعد عن العمل المهني، فهناك فرق كبير بين التغطية الإعلامية المحايدة ومحاولات خلق حملة أما للتأثير في مسار الإصلاح أو للمساهمة في تعطيلة. وأخطر ما في التغطية هي تنميط البشر على طريقة مليتون. فعندما قام ميلتون بالشيطنة، كان ذلك توطئة للإستئصال! لن نتمكن في الأردن من اجتياز المرحلة الانتقالية إن نجح الإستقطابيون في مشروعهم وسندفع جميعا ثمنا باهظا لذلك.
لا أعرف إن كنا بحاجة لكارثة طبيعية أو غير طبيعية لا قدر الله حتى نتخلص من المشكلة ولو مرحليا. فمثلا في الولايات المتحدة، أدت حالة الاستقطاب السياسي إلى شلل سياسي انعكس على مكانة أميركا وعلى قضية رفع سقف الدين وفي تقرير ستاندرد آند بوزز، ويرى الخبراء الأميركان أن جزءا كبيرا من المشكلة التي تعاني منها واشنطن الآن ناتج عن حالة استقطاب سياسي بين الفرقاء والتمترس خلف مواقف سواء في قضيتي زيادة الضرائب التي يعارضها الجمهوريين أو خفض النفقات التي يعارضها الديمقراطيين.
التشرذم والاستقطاب انتهى- ولو مؤقتا- مع إعصار إيرين، فهل نحتاج لكارثة بهذا الحجم لا قدر الله وهل علينا أن ندفع ثمنا حتى نعرف أن الحفاظ على الأردن ومكتسباته يحتاج لتوافقات سياسية أكثر من أي وقت مضى؟!
hbarari@gmail.com
(الرأي)