سجال الهوية الوطنية والإصلاح
د.مهند مبيضين
28-08-2011 06:46 AM
يعتقد البعض ان اتجاه الدولة للإصلاح، سيستلزم التحرر من البنى التقليدية، العشائر، والمكونات الوسيطة الأخرى بين الدولة والناس، وهذا اعتقاد خاطئ، وإن اعتقدت ايضا العشائر وتلك المكونات ان الإصلاح يمكن ان يحدث لها حالة تهميش وينتصر لفئات أخرى فهذا اعتقاد خاطئ، فالعشيرة في حالة النظام الديمقراطي تدفع بافضل ابنائها تعليما وتواصلا وقدرة على إيصال صوتها. وقد حدث هذا في تجارب الانتخابات الاردنية عندما ارسلت الأطراف لعمان نوابا أفضل من نواب العاصمة احيانا.
وتشكل مجتمع الديمقراطية، لا يفرض ذلك الإقصاء ولا مصلحة له فيه، ويبدو احيانا ان بعض الكتاب ينتصر لايدلوجية ما ويتناسى واقع التحولات وتجاربه في تاريخ المجتمعات، فكلما تقدمت الدولة على طريق المأسسة كلما ازدادت حاجتها إلى وساطة هذه التجمعات التقلدية وبناها عبر آليات متعددة، وهذه الحاجة هي التي تمكن الدولة من الوصول لمواطنيها في الجهات البعيدة عن المركز.
هذا الحال هو الذي حدد الحداثة الغربية زمنيا، إذ تبلورت هذه الحداثة ببروز مسألة الدولة بصفتها نموذجا للحداثة، ولما تكرس المفهوم بدأت معادلة الهوية بالاكتمال، دونما إلغاء لأي وسيط مجتمعي، لكن الذي حصل ان البنى المجتمعية اعادت تحالفاتها وانتماءاتها، إذ تحولت المعتقدات إلى هويات وتحولت الانتماءات إلى مكونات لهويات فردية وذلك تحت راية الديمقراطية. وبعيدا عن التعصب والخضوع للتقاليد القديمة، جرى إعادة تحديد اجتماعي للفرد، تبعا لحقوقه أو مصالحه، ورافق ذلك تغيير أساسي في أشكال علاقته بنفسه وإدراكه الداخلي لمكونات شخصيته، فقامت الهويات على الطريقة الجديدة، هي لم تتوجه للسماء وإنما اتجهت لمكونات مدنية من نقابات واحزاب وخلاف ذلك، لكن الجهات البعيدة عن العواصم احتفظت بتركيبتها التقليدية حتى اليوم.
ليست مسألة الهوية أو الإصلاح هنا مجالا للمحاججة، لكن المهم هو من المستفيد من إذكاء التطرف داخل الأفراد من جميع الجهات، فالمواطن العادي والمثقف والنخبة السياسية مَن ينتمي منها للسلطة أو للمعارضة وبكل مشاربهم السياسية وتوجهاتهم العقائدية الجميع يقر بان الجدل في عمان على الإصلاح مختلف عن اولويات الناس في الأطراف، الذين يريدون عدالة اجتماعية وحبسا للفاسدين وحقا في الثروات الوطنية لاجل تنمية مناطقهم.
ولكن، حيث ان الفكر انعكاس للواقع فثمة علاقة جدلية ما بين المفكر فيه، والمفكر لأجله، والواقع أن الناس في مجتمعاتنا قادرون على الانحراط في الإصلاح ودولة المواطنة كما انهم قادرون على التفاهم والعيش وفقا للمصالح دونما حاجة لوعظ سياسي يأتيهم من عمان.
وختاما المفترض أن الانجاز الإصلاحي في شكله المبتغى يجب أن لا يتعارض مع صفة الدولة ودورها تجاه مواطنيها، وعندما ينتخب الناس على اساس المصلحة ووفق قانون متوازن لا يسلبهم وزنهم التمثيلي وبخاصة المناطق البعيدة عن العاصمة فإن الإشارة الأكثر ايجابية هي الانتقال لهوية وطنية ناجزة بعيدا عن الأصوات الثاوية بفكر قائم على التعبية وطلب المحاصصة.
(الدستور)