التنمية البشرية .. واقع وتطلعات
28-01-2007 02:00 AM
لا تنمية بشرية بالمعنى الصحيح بدون القضاء على الفساد والتسيب
كل الدلائل تشير إلى إمكانية تطوير المجتمع الأردني بسرعة كبيرة
لماذا لا نستغل الطاقات الكامنة في المجتمع وشرائح الشباب الأردني
الإهمال واللامبالاة جعلت حركة الاستثمار تتعثر وعجلة التنمية تتوقف
عمون – عدنان الروسان كنا قد أسهبنا في الحلقتين الماضيتين في الحديث عن التنمية البشرية من حيث الفكرة والمضمون العام وحاولنا الاقتراب بحذر من موضوع التنمية البشرية في الأردن من حيث الفكرة والمفهوم العام ومن حيث مدى وضوح ثقافة التنمية البشرية لدى العامة من الناس وحتى لدى الكثير من المشرعين في مجلس الأمة ، وما يدفعنا إلى الدفع بهذه الشكوك إلى مقدمة البحث النتائج أو قلة النتائج المترتبة على قلة الأسباب التي تأخذ بها الحكومة ويدفع بها مجلس الأمة في سبيل تحقيق قدر معين من التشريعات والتعليمات والأنظمة والقوانين للوصول على هيكل تنظيمي كما هو حاصل ولو بدرجة غير متكاملة في ميدان التنمية السياسية والتنمية الاقتصادية .
وحيث أننا في هذه الحلقة سنخوض في بعض التفاصيل المتعلقة مباشرة بالتنمية البشرية في الأردن والتي سندفع فيها برؤية التي تختلف بعض الشيء ، بل قد تختلف كثيرا عن رؤية الآخرين الذين لا يرون النقاط الكثيرة التي ستتقاطع فيها التنمية البشرية مع التنمية السياسية والأمنية والاقتصادية والاجتماعية ، بل إننا ربما نكون قادرين على تغيير الكثير من المفاهيم التي ستقود بصورة آلية وقسرية إلى التنمية الوطنية العامة التي تقود إلى الارتقاء بالوطن كله من أعلى سلم الحكم الممثل بالحكومات والأجهزة التابعة للدولة وحتى الأحياء الثانوية على أطراف المدن أو في الأغوار والبادية وقد يقود هذا المفهوم إلى إشكالية جدلية كبيرة يتداخل فيها النمطي بالإبداعي ويخلق تيارا ثالثا هو مزيج من التيارين يكون قادرا على قيادة حركة تصحيحية تنبع من القطاع الحكومي والقطاع الخاص ويخلو هذا التيار من المزاودات المعتادة والنقاشات التي لا يراد من ورائها سوى الوصول إلى منصب أو وظيفة أو مطمع .
وللولوج في بعض التفاصيل فإننا سنقدم بعض الإحصائيات والأرقام التي قد يبدو بعضها أو كلها غير ذي صلة بالموضوع إلا أننا سنثبت للقارئ وصاحب القرار فيما بعد وبالدليل والبرهان مدة أهميتها وثبوت ضروراتها للتنمية البشرية الصحيحة ، وحيث أن موضوع هذه التنمية هو الإنسان وهو العنصر الأكثر نبلا وأهمية وإثراء في كل المجتمعات المتقدمة فإننا بالتالي سنولي كل المقدمات وكل النتائج التي تتعلق بهذا الإنسان كل الأهمية حتى نتمكن من دراسة الواقع وتحقيق النتائج التي يمكن أن توصلنا إلى بدايات صحيحة للولوج في عالم التنمية الذي ينفعنا .
ومن أول المقدمات التي نريد تركيز الضوء عليها أن المجتمع الأردني مجتمع فتي وان ثلث السكان البالغ عددهم 5153378نسمة حسب إحصائيات عام 2005 هم من طلاب المدارس الأساسية والثانوية والجامعات وبالتالي فإن هذه الطاقة الكامنة والتي يمكن أن تكون رافد ومكونا أساسيا لنظرة مستقبلية تقدمية لتنمية بشرية شاملة هي الآن ونتيجة لنقص الإستراتيجيات التي أشرنا إليها عبئا كبيرا على الدولة وواحد من المثبطات لأي نوع من أنواع التنمية .
ويمكن أن يتصدى البعض لما نطرحه بأنه تجن على الواقع حيث تشير تقارير كثيرة إلى أن الأردن قد سبق الكثير من الدول في العالم الثالث في ميدان التنمية البشرية فقد زاد متوسط عمر الفرد وقلت نسب الوفيات بين الأطفال كما هو واضح لبعض الإحصاءات التي أوردتها الأمم المتحدة :
متوسط عمر الفرد 58 عاما الستينات
72 عاما 2001
نسبة الأمية بين البالغين 53% في السبعينا ت
10% في 2001
نسبة الوفيات بين الأطفال 50 % في الستينات
26 بالألف 2001
وبالتالي فإنه وبالمقارنة مع الكثير من الدول العربية ودول العالم الثالث فإن الأردن تتفوق على أكثر من 83 بالمائة منها في هذا المجال ، وهذه النتائج يمكن أن ترضي غرورنا وبالتالي تعطينا كافة المبررات اللازمة لنقنع أنفسنا بأننا في مقدمة الدول ، وقد نكون في مقدمة الدول المتأخرة ولكننا بالتأكيد في مؤخرة القائمة بالنسبة للدول المتقدمة بل إننا ربما لا نظهر في تلك القائمة على الإطلاق .
ويجب أن لا نعتني كثيرا بالتفاصيل السطحية التي يمكن أن تعطي مؤشرات خاطئة عن أوضاع الناس الحقيقية وقد أشرنا إلى ذلك سابقا وقلنا أن وجود أكثر من أربعة ملايين ونصف المليون مشترك في شركات الهواتف النقالة في بلد تعداد سكانه خمسة ملايين ليس مؤشرا صحيا إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأوضاع الاقتصادية للمواطنين ومتوسط دخل الفرد والحد الأدنى للأجور .
معدل النمو الاقتصادي 7.6% في التسعينات 3.2% في العام 1996 إحصائيات للبنك الدولي ولا نظن أنها تعكس الواقع تماما
معدلات الفقر بين السكان 3% في نهاية الثمانينات فقط 14.4% العام 1992 أكثر من 70% بعد حرب الخليج
معدلات البطالة بين الشباب أقل من 14% في التسعينات أكثر من 30% 2001 ليس هناك نسب رسمية معلنة الآن
إذا فالتحديات التي تواجه الأردن هي تحديات حقيقية ، والحكومات المتعاقبة لا تلتفت في الأغلب الأعم إلا عدد محدود من الملفات ، لا تصب كلها في التغيير الجوهري لنمط ونوعية حياة الأردنيين بل إنها تحاول أن تكرس الواقع الاجتماعي الذي يكلف الدولة الكثير من المال والجهد ، ويشجع على ثقافة التسول والانتفاع والمحسوبية والشللية التي بدورها تكرس ثقافة الفساد المالي والاعتداء على المال العام واستخدام النفوذ الذي تتيحه المناصب العامة لأصحابها في سبيل الربح الغير مشروع والإثراء السريع ، كما أن الأردن يفتقد إلى قوانين عقابية للفاسدين رادعة بل إن الكثير من القوانين أو ربما تطبيق تلك القوانين يكون بمثابة مكافئة للفاسدين مما يشجع شرائح كثيرة على محاولة التعدي على المال العام لعلمهم بأن العقوبات غير رادعة ولا زاجرة ، وأنه بحسبة بسيطة يتبين الفاسد أن المال المسروق يبرر الصبر على العقوبة التي تعتبر رمزية حتى إذا ما قيست بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا.
ثم لنلقي نظرة على الجدول التالي ونتأمل كم تهدر الحكومات من القوى العاملة والإمكانات الغير مستغلة ، ثم نحلل الوضع بعد ذلك :
عدد أيام العطل السنوية لموظفي القطاع العام في الأردن 135 يوما في العام حسب إحصائية في الصحف الأسبوع الماضي
عدد أيام العطل السنوية لطلاب المدارس في الأردن أكثر من 180 يوما في العام
عدد طلاب المدارس في الأردن أكثر من 1400000 طالب
عدد موظفي القطاع العام أكثر من نصف مليون موظف
ماذا يمكن أن يستفيد الأردن من مليون ونصف المليون طالب إذا ما استغل جزءا بسيطا من المائة وثمانين يوما التي يقضونها بين المقاهي والشوارع كل عام يتعلمون التدخين ويلعبون الورق ويمارسون هواية التسكع والتعود على حياة البطالة التي سيمتهنونها حال تخرجهم من المدرسة أو الجامعة . بكل تأكيد يمكن للحكومة أن تفعل الأعاجيب بهذه الطاقة الهائلة الغير مستغلة وان تضرب عشرين عصفورا بحجر واحد ، ولا بأس من أن نضرب الأمثلة في هذا المضمار ، ماذا لو قامت وزارة التربية والتعليم ببعض أو كل النشاطات التالية لسنة دراسية واحدة لتجري وترى النتائج بأم عينيها :
1- يخرج المليون ونصف المليون طالب مرة واحدة في الأسبوع أو كل أسبوعين ويقوم الطلاب في كل مدرسة و في الحي التي هي فيه وبصحبة معلميهم فينظفون الحي من النفايات ، والأتربة الزائدة بل ويساعدون بعض أصحاب الأبنية في أحيائهم إن كانت من الأحياء الفقيرة بإزالة الأتربة المتبقية ومخلفات البناء إن وجد .
2- يخرج نفس العدد مرة في الشهر وبنفس الطريقة بعد أن توفر الوزارة لهم الطلاء وأدوات الطلاء وارسم وكل هذه الأدوات يمكن للوزارة أن توفرها دون أن تدفع فلسا واحدا كتبرعات من شركات ومصانع الدهانات ، فيقوم الطلاب بالرسم على حاويات القمامة التي يشكل منظرها الحالي مكرهة صحية لا تليق بالأردن والأردنيين ، بينما يقوم الطلاب الذين لا يمتلكون موهبة الرسم بطلاء أطاريف الأرصفة إن وجدت تلك الأرصفة في شوارع أحيائهم المحيطة بمدارسهم .
3- ثم ما لمانع أن تقيم وزارة التربية والتعليم وبالتعاون مع القوات المسلحة معسكرات صيفية غير إلزامية لمن يرغب من الطلاب في قضاء شهر من عطلته الصيفية في تلك المعسكرات يتعلم فيها على فنون الرماية والسباحة والرياضة وتنمية بعض المهارات ويتعرف الطلاب على أفراد جيشهم الأردني ويأخذوا منهم بعض الخبرات ، ونحدث نوعا من إزالة الهواجس بين شريحتين مختلفتين من شرائح المجتمع المهمة ، وفي هذه النقطة نشهد تراجعا في رؤى الحكومات الأردنية إذ كان هذا البند بالذات مطبقا في الستينيات من القرن الماضي ثم أتت حكومة ما لتلغي هذا القرار دون أسباب موضوعية.
4- لماذا لا نرسل من يريد من هؤلاء الطلاب أو نلزمهم حتى بالتفرغ يومين ، يومين اثنين فقط لمساعدة مزارعي الزيتون بقطاف الزيتون وليكن ذلك بأجر رمزي يمكن أن يغري الكثيرين بالتحمس للفكرة ، وبالتالي يتم إنجاز قطاف الزيتون بسرعة ونوفر على المزارع جزءا من الكلفة التي يتكبدها بزراعة الزيتون الذي يمكن أن يكون جزءا من الدخل القومي ونضع في جيوب الطلاب مبلغا من المال بعرق جبينهم هذا عدا عن الخبرة التي يكتسبونها جراء هذا النشاط الجديد.
وهناك الكثير مما يمكن التفكير به وتطبيقه وبالتالي نقوم بجد في زرع معنى جديد من معاني التنمية البشرية في نفوس مستقبل الأردن الواعد الذين هم شبابه وشاباته ، كما أننا نزرع مبدأ التكافل الاجتماعي والولاء للمدرسة والحي والقرية والمدينة وبالتالي للوطن الذي هو أغلى ما نملك ، كما أن الألفة التي تنشأ بين الطالب والمعلم وبين الطالب ومزارع الزيتون وبين الطالب والجار في حي المدرسة ينقلب إلى محبة وولاء وشعور بالانتماء والألفة وهذا ينتقل بالعدوى والعادة والشعور إلى محبة للمسؤول ومحبة للحكومة ومحبة للنظام السياسي كله .
التنمية البشرية ممارسة وبرامج وعطاء وشعور متبادل ، وليست فقط مقدار ما يستهلكه الفرد من سلع وخدمات ، ولا بمقدار ما يمكن أن تخدعنا به المظاهر الاستهلاكية الزائفة التي لا تعبر عن مدى سعادة الفرد ورضاه عن المشروع الوطني العام والتناغم مع بيئته وما يحيط به مكونات ضرورية له كما هو ضروري لها.
حينما نتكلم عن التنمية البشرية فإننا نتكلم عن كل شيء ولا بد أن يكون الأمر كالأواني المستطرقة في الفيزياء التي لابد أن تتأثر كلها بارتفاع أو انخفاض منسوب السائل الذي يملؤها إذا ما ازداد أو انخفض هذا المستوى في أي من تلك الأواني ، وبالتالي فإننا ودون أن نضيع الوقت في برهنة المبرهن وإثبات المثبت ‘ فإنه يتوجب على صانع القرار الأردني أن يوفر الأدوات اللازمة لاستغلال المخزون الإستراتيجي الوطني من القدرات التي يمكن أن تزيد من النمو العام وتصب في خانة التنمية البشرية في النهاية .
وكما ذكرنا في الأمثلة السابقة فإن هناك إمكانيات كثيرة متوفرة ولا تحتاج إلى موازنات البتة وبالتالي فإنها لا تشكل عبئا على خزينة الدولة ويمكن أن تغير الكثير من المفاهيم والرؤى خاصة لدى شرائح الشباب في المجتمع كما انه سيكون لها مردود إيجابي على الشرائح الأخرى التي تتأثر إيجابا بأي تحسن يطرأ على شرائح الشباب في المجتمع .
والأمثلة التي طرحناها على شريحة طلاب المدارس يمكن أن نجد شبيها لها يتناسب مع طلبة الجامعات الذي يزيد عددهم عن مائة وعشرين ألفا ، وعلى أفراد القوات المسلحة الأردنية الذين يمتلكون خبرات واسعة في ميادين شتى يمكن أن ترفد الوطن بالكثير من الجهد والمساعدة للوصول إلى مراحل متقدمة في مجال التنمية السياسية ، وكذلك يصح الحديث عن قطاع المرأة الذي تم التلاعب به بصورة عادت عليه وعلى المجتمع بأكمله بويلات اجتماعية كبيرة بحيث أن المرأة بدل أن تكون عاملا مساعدا بل عاملا أساسيا في عملية التنمية البشرية وأن تكون العمود الفقري للعملية برمتها قامت الدولة عبر الحكومات المتلاحقة ومن خلال الضغوط الكبيرة التي مارستها عليها مؤسسات غربية في كثير من الأحيان مشبوهة بتدمير دور المرأة ومحاولة إلحاقها بالدور المرسوم للمرأة في الغرب الرأسمالي والذي لم يعطي ثمارا جيدة بل ساهم في تدمير الأخلاق والمثل والقيم العليا في المجتمعات ، والدارس المتأني لموضوع التنمية البشرية لابد أن إن كان منصفا أن يصل في النتيجة النهائية إلى أن الهدف الأسمى للتنمية البشرية في أي مجتمع هو الوصول بذلك المجتمع إلى السعادة الفردية والمجتمعية مع الأخذ بعين الاعتبار أن السعادة شيء نسبي من الناحية الفلسفية إلا أننا ككائنات بشرية نتفق على حدود دنيا من المفاهيم والقيم التي تشكل الحد الأدنى من السعادة المتعارف عليها .
غير أن هذه السعادة ورغم الارتقاء الكبير في الغرب بحاجات الإنسان المادية وتوفير كل ما يمكن أن توفره الحضارة المادية للمواطن فإنه لم يصل إلى ذلك الحد الأدنى من السعادة في الغالبية العظمى من تلك المجتمعات ، ومع كل ذلك فإننا في الأردن وككثير من دول العالم الثالث مازلنا مصرين على أن إلحاق المرأة العربية بركب المرأة الغربية وتغريبها عن البيت لتكون جندية في الجيش وشرطية في الأمن العام ونائبا في البرلمان حتى دون أن تنتخب ودون أن تنجح ووزيرة وهي غير مؤهلة ومن قيادات الرأي العام وهي لا تقود الرأي في بيتها وبين أولادها ، وما علمنا أن مقابل كل شرطية في الشارع هناك رجل عاطل عن العمل يمكن أن يعيل عشرة أفراد لو لم تأخذ تلك المرأة مكانه ، وأن النائبة في البرلمان والتي لم تتمكن من إقناع حتى بنات جنسها بانتخابها قد تعودت على مبدأ تزوير الدولة لدورها واعتبارها ممثلا شرعيا للشعب بينما هي تعلم تماما أنها جاءت بالكوتة النسائية وبناء على ذلك كان من الأولى أن نعطي الكوتة للأرمن والأكراد وذوي الأصول الشامية فهؤلاء أيضا لن ينجح منهم نائب ولو بقوا أردنيين ألف عام لأنهم لا يمتلكون العدد الكافي لتقديم نائب لهم في البرلمان.
التنمية البشرية هي ميزان للسعادة وليست سياسات للبيع والشراء والمناورة ، والحكومة الفاعلة هي التي تستطيع أن تقدر احتياجات الشعب وطاقاته الكامنة وإمكاناته المتاحة ثم هي التي تستطيع أن تضع جدولا للأولويات وأوليات في موازنات الدولة ثم هي تنظر بعين بصيرة ثاقبة لتستطلع مستقبل الأمة وتستشرف أفاق العمل الضروري الذي يؤدي في النهاية إلى مجتمع المحبة بدل مجتمع الكراهية ، والى التكامل الطبقي بدل الصراع الطبقي والى المدن التي تعرف بأسماء شوارعها وأرقام بيوتها ، لا برفاهية أصحاب الحي الفلاني المليء بأصحاب الثروات المسروقة في غالبها وأصحاب الحي الأخر المليء بالفقراء الذين لا يجدون ما يتعشون عليه ومع ذلك فإنهم يحملون خمسة هواتف خلوية لا يستطيعون دفع تكاليف رسوم خطوطها حتى أصبح الأردني معروفا بأنه خلوي أبو رنه حيث أن النصف الفقير يرن على النصف الغني رنة واحدة ثم يقفل هاتفه حتى يتصل به الشخص الغني على حسابه ، حتى أن النكتة الأردنية تقول أن أردنيا احترق بيته فرن على الدفاع المدني رنة واحدة وأقفل الهاتف وما زال حتى اليوم ينتظر وصول الإطفائية طبعا.
ومن الاستنتاجات السهلة التي تشكل إجابات شافية على عسر عملية التنمية البشرية في الأردن والتي تبرر هذا التأخر في النمو هو العمر القصير للحكومات الأردنية والتي غالبا ما تتغير خلال أشهر معدودة أو في غضون عام أو عامين وهو عمر قصير لا يعطي الحكومات الوقت الكافي لتطوير برامج واستراتيجيات وتنفيذها في هذه المدة القصيرة ، كما أن مراكز النفوذ الكثيرة والتي كانت دائما قادرة على التحكم في مسار المزاج العام في الشارع الأردني كان لها أثر كبير في تعطيل المسيرة وانتظامها.
وقد لاحظ الملك في السنوات الأخيرة كل هذه المعوقات وبالتالي فقد أخذ يقوم بنفسه في الأشراف على مشاريع ونشاطات هي من واجبات الوزراء أو من هم دونهم وهذا مؤشر خطير في الأداء العام للدولة ومؤسساتها ومن أهمها مؤسسة الحكومة التي من المفترض أن تقوم هي بكل هذه الواجبات التي هي من صميم عملها .
التنمية البشرية ليست قضية يمكن أن تستنفد في مقال أو اثنين أو في تحقيق صحفي واحد ، فالموضوع هو الركيزة الأساسية التي قامت عليها المجتمعات البشرية منذ القدم وحتى اليوم ، ورغم تفرع العلوم والتخصصات إلا أن الهدف النهائي هو الوصول بالدول لأن تكون قوية وذات تأثير كبير في محيطها والعالم وهذا لا يتأتى إلا من خلال خلق مجتمعات واعية ، كريمة متحصلة على كل الضروريات للعيش بكرامة وحرية وهذا يعني في المفهوم الحديث أن تصل الدولة بالتنمية البشرية إلى مستويات عالية بحيث يكون ولاء الفرد فيها للدولة لأنها هي التي تقوم بتوفير كل أشكال الرعاية والحماية له وتنتصر له في كل الظروف والأحوال.
لم تصل الأردن إلى هذه المرحلة من التنمية ولا يتوقع أن تصل في غضون فترة وجيزة رغم أن كل المعطيات لأن تكون دولة نموذجا في المنطقة متوفرة لها ، ويمكن أن نجري مقارنة قد تبدو عجيبة لكنها مهمة جدا بين الأردن وسويسرا مع الأخذ بعين الاعتبار الفرق الواضح بين الدولتين في مستويات المعيشة والنمو ومستويات دخل الفرد دعونا نتخيل معا:
المساحة عدد السكان الموانئ المواد الأولية الدخل القومي
سويسرا 41285 كم مربع 7399000نسمة لاشيء لاشيء تقريبا 226 مليار دولار أمريكي
الأردن 96000 كم مربع 5200000 نسمة العقبة غاز-فوسفات-حديد بوتاس أقل من 10 مليارات دولار أمريكي
مستوى متوسط دخل الفرد في سويسرا 30000 دولار سنويا وفي الأردن 2500 دولار سنويا لماذا كل هذا التباين بين البلدين لماذا لم تبقى سويسرا مثل الأردن ولماذا لا يصبح الأردن مثل سويسرا رغم أن الأردن لديه عدد سكان قريب من العدد السويسري والأردن دولة فيها موارد طبيعية أكثر من سويسرا ونسبة التعليم عالية والموقع التجاري الأردني أفضل من الموقع السويسري.
سيعزو البعض بل الكثيرون النجاح السويسري إلى البنوك والموقع وأوروبا والخصوصية السويسرية وغير ذلك ، هذا إذا لم تكن المقارنة التي أجريناها كلها مضحكة للمختصين والعامة على السواء ، إلا أنني أعتقد أن لدى الأردن فرصا عظيمة وأكيدة في أن تكون دولة غنية في غضون خمس سنوات شمسية وربما قمرية أيضا ‘ إذا توافرت النية الحسنة لدى حكومة من الحكومات المكلفة من قبل الملك وقامت بتنفيذ واحد فقط من كتب التكليف الملكي للحكومات تنفيذا أمينا وابتعدت عن المجاملات على حساب الوطن .
ولا نبالغ إن قلنا أن بعض الحكومات بل الكثير منها قد حاربت الاستثمارات الأجنبية والعربية في الأردن ، وقامت بخلق ثقافة أننا لسنا بحاجة لمستثمرين واستثمارات على حساب كرامتنا ووطننا وكأن كل الذين فتحوا الأبواب للاستثمار ونجحوا فيه نجاحا عظيما مثل سنغافورة ودبي وقطر وأبو ظبي وأسبانيا وسويسرا باعوا كرامتهم وأوطانهم .
ربما يكون قد أن الأوان لتنظر الحكومات الأردنية بعين المصلحة الوطنية وليس بعيون الموظفين الفاسدين الذين يقومون بإغلاق أبواب الوطن في وجه التقدم والنمو الاقتصادي وبالتالي الرقي والتنمية البشرية ، وأن تتخذ الإجراءات الصحيحة للقفز بالأردن إلى مصاف الدول الصغيرة العظيمة في الإنجازات والإبداع .
وهنا ونحن نتكلم في موضوع مهني وأكاديمي بعيد عن التملق والرياء ، إلا أننا لابد أن ننوه أن الملك يسبق كل المؤسسات المختصة بالتنمية والنمو والإنجاز بخطوة واحدة على الأقل على الدوام ن وأن أصحاب الاختصاصات لا يقومون بواجباتهم على أكمل وجه وبالتالي فإن هناك ضرورة ملحة لإجراء تعديلات على التشريعات والأنظمة التي تنظم عمل المؤسسات والموظفين الحكوميين الذين يتعاطون مع قطاعات المستثمرين العرب والأجانب ، وأن يتم اختيار هؤلاء الموظفين من الناس ذوي التدريب العالي والحس الوطني وأن تكون عليهم رقابة مستمرة ودائمة وأن يكون هناك أرقام هواتف وبريد إلكتروني في الحكومة أو الديوان الملكي للشكاوى وبسرعة في حال حدوث إختلالات في حالات الفساد والإهمال.
الكثير من الهموم والأوجاع تكتنف موضوع التنمية البشرية في الأردن وهو بحاجة إلى جهود مضنية من الكتاب والمفكرين والمبدعين وصناع القرار في جهد وطني دؤوب للوصول إلى مراحل متطورة تليق بالأردن .