"مؤامرة الكونية" و"صفقة مشبوهة"!
د. محمد أبو رمان
25-08-2011 06:13 AM
ما نقرؤه ونسمعه من بعض الزملاء والأصدقاء، خاصة اليساريين، تجاه "الإخوان" بات مقلقاً للغاية، إذ عاد التهويل من "الإخوان" ليصبح ديدنهم الرئيس، وكأنّ الجماعة هي "البعبع" الذي سيخطف مشروع الإصلاح، ويلتهم "الكعكة"!
اللحن القديم-الجديد يتلخص، اليوم، بالحديث المتواصل عن الخشية من "صفقة" بين الدولة والإخوان، على حساب التيارات الأخرى! لكن لا مانع لدى هذا الخطاب أن يعقد هو "الصفقة" مع الدولة، وكأنها ستصبح حينذاك "شرعية"!
هذه اللغة تستبطن إرث الصدام الأيديولوجي والصراع السياسي بين الإسلاميين واليساريين، والأخطر أنّها تأخذ في أحيان أخرى طابعاً تحريضياً مناقضاً تماماً للحديث عن الصفقة، إذ تُتهم الجماعة بأنّها تضمر أجندة سرية وانقلابية على الدولة بالتواطؤ مع التنظيم الدولي للإخوان، وفي سياق من المخطط الإقليمي والعالمي، وبترحيب أميركي ضد الأنظمة الوطنية العربية الحالية، التي تقف بالمرصاد للولايات المتحدة وإسرائيل وتمثّل خط الممانعة الأخير!
هكذا تخُتزل السياسة، والمصالح الاستراتيجية، والنقاشات، وتختفي الوقائع، وتتلاشى معركة الإصلاح السياسي، والسعي نحو الديمقراطية والحرية، لتصبح القضية برمتها "مؤامرة كونية" تجمع الإسلاميين والأميركان، وربما الأتراك، عبر "صفقة مشبوهة"!
وفي المحصلة؛ نعود، من جديد، للخطاب الأيديولوجي نفسه المسكون بعقدة الإخوان والصدام معهم، وربما في الحالة الأردنية تضفى عليه أبعاد إقليمية اخرى، أكثر خطورة!
وفقاً لهذا المنطق، فـ"لا مرحباً بالديمقراطية" إذا كانت ستأتي بالإخوان المسلمين! وهذا الموقف تترجمه بوضوح اللغة المتعاطفة والدعم المعنوي والإعلامي والسياسي من أصحابه لنظام الأسد، وما يحمله ذلك من تجاهل أو تبرير ضمني للمجازر والاعتقالات والاستهتار بالحقوق والحريات العامة، وللقمع والاستبداد، وبالذريعة نفسها "الخطر الإخواني" القادم بعد سقوط الأسد!
بالضرورة، لا نقول إنّ "الإخوان" ملائكة أو فوق النقد، فهم في النهاية كائن براغماتي، له رؤيته السياسية، ويعقد تحالفاته في هذا السياق، وربما يضمر تجاه الآخرين مشاعر شبيهة. لكن الإخوان لا يكوِّرون خطابهم السياسي حول منطق العداء والاتهام، ولا يفتحون جبهات من الحرب الإعلامية والسياسية الداخلية، تأخذ الجميع نحو مسار مختلف تماماً عن المطلوب في توحيد القوى تحت سقف القواسم المشتركة للإصلاح السياسي.
الدفاع هنا، تحديداً، هو عن مبدأ التعايش والتعددية والحوار السياسي، وعن القواعد الحاكمة للحياة الديمقراطية، وهي تتناقض تماماً مع ما نراه اليوم من تهويل مبالغ فيه ضد الجماعة وأجندتها السياسية والاحتكام إلى منطق الخصومة الأيديولوجية والسياسية.
المعضلة الحقيقية التي يواجهها مثل هذا الخطاب ليست "الأجندة السرية" للإخوان؛ بل، في واقع الأمر، ما يزعجه ويقلقه كثيراً هي القوة الفعلية للجماعة، وحضورها في الشارع، أمام ضعف هذه القوى وانحسارها وانكسار شوكتها الشعبية، وافتقادها إلى قواعد اجتماعية صلبة.
البوصلة الحقيقية لمواجهة "التحدي الإخواني"، لدى هؤلاء، تتمثل في قدرتهم على بناء "تيار ثالث" (يساري أو اجتماعي..)، وربما رابع (ليبرالي، أو قومي)، ينافس الجماعة في الشارع، وبإعادة النظر في خطابه السياسي والاجتماعي ومواقفه الراهنة، بما يعيد تأهيله ليكون مرة أخرى لاعباً مؤثراً وقادراً على التجنيد واكتساح صناديق الانتخاب.
أمّا العودة إلى عزف الأسطوانة المشروخة، فلن تساهم سوى في تعزيز دعاوى النظم بخطورة الإصلاح، وربما الوصول إلى صفقة محدودة تحمل مثل هذه النخبة إلى النظام، من دون الحاجة إلى المضي في المسار الديمقراطي، الذي سيأتي بالإسلاميين غير المرغوب فيهم!
الغد