الكتل البرلمانية .. حمولةٌ زائدة، أم ضرورةٌ لا بد منها ؟
د. نضال القطامين
22-08-2011 07:01 AM
تشكلت في مجلس النواب الأردني السادس عشر، ست كتل برلمانية، ظهرت جميعها مع بدايات الدورة العادية الأولى، أي بعد انعقاد المجلس، باستثناء كتلةٍ واحدة أعلنت عن مرشحيها قبل الانتخابات وفاز أعضاؤها تقليديا بالدعم العشائري والتنافس، دون أن ينظر الناخب إلى البرامج والأهداف، نتيجة لأسباب عديدة يعرفها الجميع، من أهمها، غياب رؤية متكاملة لفكرة الائتلاف المفضي إلى تشكيل حكومة.
وفي ظل الحديث عن نظام التكتلات الغائب، اعني المؤسس له والقائم على دخول الانتخابات بقوائم حزبية أو سياسية مشكلة على أساس واحد، كقوائم الأحزاب أو الائتلافات السياسية التي تجمعها إيديولوجيا واحدة، ظهر ما يسمى بالكتل النيابية التي يعتمد تشكيلها أساسا على الصداقات والعلاقات بين النواب، وقليلا على التأطير الفكري والإيديولوجي لهم، كبديل مؤقت لهذا النظام.
ورغم أن المجالس النيابية بدءً بالمجلس الحادي عشر، قد شهدت تجارب تشكيل الكتل البرلمانية، إلا إنها هذه التجمعات أثبتت أنها بعيدة كل البعد عن كونها بديلا مناسبا للائتلافات التي تتشكل قبل الانتخابات، تلك التي تخوض انتخاباتها على أساس برامج واضحة وملزمة. وأستثني من ذلك تجارب جماعة الإخوان المسلمين وحزب جبهة العمل الإسلامي، التي اقتربت في تشكيل كتلها النيابية، من التعريف القريب للكتل البرلمانية بمفهومها الحزبي.
واستنادا إلى ظروف تشكيلها الآنية والطارئة، بقيت الكتل البرلمانية في مجالس النواب، مجرد عناوين فارغة المضمون، ولم يكن لها انجاز يذكر في إثراء العمل البرلماني، سوى استخدامها كوسيلة لتوزيع المناصب في مكتب المجلس الدائم ولجانه المختلفة، حتى إذا ظفر كل المخططون الجيدون بما طمحوا، عادت الكتل إلى جرابها الذي خرجت منه، في بيات شتوي يستمر طيلة الدورة البرلمانية.
في تجربة المجالس السابقة، مشى المخططون على النسق ذاته ، فكانت الكتل البرلمانية تتشكل في سهرة أو في لقاء، وأحيانا على الهاتف، فيما كان هدف الكتلة النهائي الواضح، مناصب المجلس، غير عابئين بلجانه التي يستند عمله عليها، ولم يكن مهما في كثير من الأحيان أن يكون الصيدلي عضوا في لجنة الزراعة، أو أن يكون الطبيب عضوا في لجنة القانون، ولكن المهم أن لا يخرج أعضاء الكتلة من مولد التوزيع بلا حمص أو فول حتى، ولسبب أو لآخر، فقد جاءت لجان هذا المجلس اقرب إلى التخصص بعد أن كادت أن توزع عشوائيا، فيمَ لم نر في الدورة العادية أو الاستثنائية في تجربة هذا المجلس على الأقل، مزيجا متجانسا للكتل تجاه قضايا كثيرة، أو التزاما من أعضاءها بموقف واحد في المناقشات أو التصويت، رغم القوة التفاوضية التي يمكن أن يمنحها الموقف الواحد، والرأي الواحد.
تأخذنا هذه المقدمة، إلى أسئلة تتعلق بإمكانية ترسيخ هذا النهج كبديل للأحزاب أو للقوائم النسبية، والى أسئلة أخرى تُطرح حول الشكل البرلماني الذي يمكن أن ينتج حكومة برلمانية في ظل التعديلات الدستورية التي تضمن ذلك، وواضح تماما أن نموذج الاصطفافات الذي يسمى كتلٌ في مجالس النواب، لا يمكن أن يشكل بحال من الأحوال قاعدة صلبة كانت أم رخوة، لما يمكن أن يكون منطلقا لائتلافات تشكل حكومة برلمانية، لأكثر من سبب، أولها الظروف الاستثنائية التي تُشكل فيها الكتل، والتي لا تتعدى لقاءات تعارف وجلسات عمل، أو حتى تجمعٌ للأصدقاء والمعارف، وثانيها أن هذه الكتل لا تسند إلى دعم شعبي، بمعنى أنها لم تصل المجلس ككتلة فازت ببرنامج واحد، وثالث هذه الأسباب، هو فشل هذه التجمعات الذريع في أداءها البرلماني، واقتصار أهداف تشكيلها على أغراض آنية مؤقتة.
إذا قُيّض لهذا المجلس أن يستمر عاما آخر على الأقل، فليخرجه هواة الصيد، وهواة المانشيتات العريضة المثيرة، من مرماهم، وليمنحه قنّاصو الفرص، فرصة كي ينهي حقبته، ويسلم حقائبه وفيها على الأقل جهد المقل ذو الحظ الأقل، ولتكن كُتلهُ التي يُسعى الآن لتكوينها، نموذجٌ أول لمجلس النواب الذي يطمح إليه الساعون للإصلاح، ولتكن هذه الكتل، جسما واحدا في ما بقي من أيام، وليكن عملها برلمانيا صرفا، لعل احدٌ يتذكرها ذات يوم فيقول..... رحم الله أيّامَ زمان!!