بين عمان والطفيلة: ترقب وتململ!
د. محمد أبو رمان
21-08-2011 02:42 PM
بالرغم من "تكثيف" الفعاليات السياسية في الشارع، خلال الشهر الفضيل، والانتقال بها إلى أحياء شعبية ومحافظات متعددة، إلاّ أنّ ما يمكن رصده هو "فتور" الاستجابة الشعبية في عمان عن المستوى التقليدي، وارتفاعها في محافظات الجنوب!
في عمان؛ ومعها الزرقاء وإربد بصورة أقل وضوحاً، فإنّ الزخم الشعبي ما يزال مرتبطاً بنشاط جماعة الإخوان، أي أنّه ضمن الحدود التقليدية المعتادة، بل في قراءة أكثر تدقيقاً فإنّ نسبة المشاركة في النشاطات والفعاليات، هي أقل من المعتاد، ومن الواضح أنّها تعكس إلى الآن حالة من الترقب الشعبي الحذر.
على الطرف الآخر؛ في المحافظات، الطفيلة والكرك ومعان، يرتفع منسوب الحراك الشعبي أكثر من المعتاد، لكنه أقل من الانفجار أو الانفلات! وإذا كانت هنالك عبارة يمكن أن تكون أكثر دقة في وصف حالة الشارع في المحافظات، فهي "التململ"، وهو وضع قابل للانفجار في أي لحظة، وربما نتيجة لحادثة بسيطة، كما حدث في العام 1989.
هذه القراءة تفرض التساؤل عن الأسباب التي أدت إلى نشوء "التململ" في المحافظات، بصورة أعلى بكثير من عمان، وبالضرورة هنالك جملة مترابطة من الأسباب، إلاّ أنّ أحد المفاتيح الرئيسة لفهم ذلك هو الشعور العارم بـ"انعدام الأفق" وخيبة الأمل والإحباط، والمرارة من السياسات الرسمية، التي ذابت وعودها بتحسين الأوضاع خلال السنوات الماضية، بل ازدادت الضغوط الاقتصادية كثيراً على المواطنين إلى حدّ لم تعد شريحة واسعة قادرة على التكيف معها.
شرارة الغضب هي اقتصادية، بلا شك، لكنها ترتطم فوراً بأبعاد سياسية، وتتقولب ضمن خطاب متكامل، يربط الإهمال والتجاهل الرسمي الشديد لهذه المعاناة الاقتصادية بالفساد والتهميش السياسي، واستبدال "المسكّنات" غير المجدية بالحلول الاستراتيجية الوطنية.
في "الحالة الجنوبية" تبدو الطفيلة اليوم المحافظة الوحيدة التي تجاوز شارعها مرحلة "التململ" إلى درجة أكثر حدّية وشراسة، وهي ما تزال ترسل بإنذارات متتالية إلى عمان بأنّ الوضع لم يعد يحتمل. الطفيلة، تحديداً، لأنّها الأكثر تهميشاً وتجاهلاً، وتضرراً من السياسات الاقتصادية وإشاحة المسؤولين لوجوههم عنها، بل وتشويه صورتها من خلال استغلال بعض الشخصيات التي صنعت سياسياً بصورة كارثية، لخدمة المنظور الأمني.
ربما الملاحظة الذكية التي التقطها الكاتب المبدع أحمد الزعبي (من خبر لموقع عمون الإخباري)، في مقالته الساخرة "على الطفيلة يا يمه"، تجسّد ملمحاً لهذه المعاناة، إذ إنّ ما تمتلكه بلدية الطفيلة في صندوقها حالياً هو فقط 66 قرشاً فقط لا غير، فهل هنالك دلالة أكبر من هذا الوضع المأساوي!
بالضرورة، فإنّ الإصلاح السياسي مطلب شعبي يحظى بالإجماع بين المحافظات، وتزيد نخب عمان على غيرها في التأكيد عليه. لكن ما يجعل المحافظات أكثر تململاً وحراكاً هو تزاوج الهموم الاقتصادية بضرورة الإصلاح السياسي، بالخلل الكبير لدى "المسؤولين" والتقارير الرسمية في قراءة هذه الحالة، ما يؤدي إلى أخطاء كارثية، ويرفع من سقف الشعارات والاحتقان مع مرور الوقت.بيت القصيد؛ أنّ ما تحتاجه المحافظات، بدايةً، هو إعادة النظر في القراءة الرسمية السطحية الساذجة المتداولة حالياً، تارةً بمحاولة تشويه صورة أبناء المحافظات وتجييش مجموعات هامشية منهم ضد مطالب الإصلاح، وتارةً بربط ما يحدث بقوى سياسية تتلاعب بمشاعر الناس، وتارةً ثالثة بتسخيف الحراك ضمن مطالب خدماتية فردية، أو كأنه استجابة لشخصيات سياسية متناكفة في تلك المناطق.
العدالة الاجتماعية، ومكافحة الفساد، ورفع التهميش السياسي وإعادة تدوير استراتيجيات التنمية والخدمات الأساسية هي عناوين رئيسة، غائبة حالياً، لمدخل الإصلاح المتكامل وبوصلة الخطاب الحكومي المطلوب.
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)