أهنالك مَنْ يخفي المعلومات المهمة عن الملك؟!
21-08-2011 01:44 PM
نسمع كثيراً أن المستشار الفلاني أو رئيس الديوان العلاني أو مسؤولاً أمنياً أخفى معلومات بالغة الأهمية عن الملك ما حرمه من رؤية المشهد الكلي لاتخاذ القرار المستند إلى معلومات كاملة.
عدد من العارفين ببواطن الأمور يرى أن بعض المسؤولين قاموا - ومع سبق الإصرار- بتضليل رأس الدولة حمايةً لمصالحهم المادية والشللية أو لارتباط لهم بالخارج، أقول سمعنا كل هذا وأكثر، وكان دائماً ينقصنا الدليل.
كغيري، سمعت من مسؤولين سابقين عشرات القصص (تكفي لتأليف كتاب) بنفس الاتجاه لكنها قصص لا يمكن التحقق منها، وكان عليّ دائماً أن أضع كلامهم في سياق الخصومات والتنافس الشللي والسياسي بين رموز تحسب نفسها على النظام مع أن عدداً منهم متهم شعبياً بفساد وإفساد وهم بذلك يمثلون عبئاً على العرش لا ذخراً له.
كنّا نسمع أن بعض القرارات تمرّ بحجة أنها "أوامر عليا" في حين أنها ليست كذلك وهي دائما قرارات خاطئة ندفع ثمناً لها. ونسمع أحيانا أن رئيس دائرة ما يصر على أن رئيس الوزراء يريد اقالته غير أن الملك تدخل، وهذا ليس كذبا فحسب وإنما فيه اعتداء على هيبة الملك وفيه توظيف رخيص يصل إلى حد الاستهتار بالعرش.
وهنا نتساءل إن كانت هناك مشكلة في "مجلس الملك" تحد من رؤية الملك للأمور كما هي أم أن الأمر لا يعدو عن مجرد كونه تلفيقات يقوم بها بعض الطامحين بالعودة (مستغلين حاجة بعض الأقلام المأجورة) لتقويض فرص هذا المسؤول أو ذاك. وبعيدا عن الأقلام المأجورة، فالأمر مختلف عندما يكون القلم غير مأجور كما في القصة محور المقال.
قرأت قبل فترة بسيطة كتاباً بعنوان "مجلس الملك: مذكرات الحرب والتجسس والدبلوماسية في الشرق الأوسط" كتبه جاك أوكينيل- مدير محطة السي آي أيه (CIA) في الأردن في الأعوام 1963 وحتى عام 1971 وبعدها عمل محاميا للملك حسين ومن بعده الملك عبدالله وتوفي قبل أقل من عام.
الكتاب يحوي الكثير من المعلومات المهمة، وكنت قد تناقشت مع الاستاذ عدنان أبو عودة في بيته وسألته عن دقة الكتاب بحكم أن عدنان أبو عودة كان في مطبخ صنع القرار في فترات مهمة وحساسة غطاها الكتاب، وكان جواب الاستاذ ابو عودة بالايجاب.
كنت أيضاً قد استمعت لبعض الشخصيات من العيار الثقيل تبدي انزعاجها من الكتاب وترى أن له غايات مشبوهة في حين أن الكتاب جاء مدافعاً عن الحقيقة وعن العرش الهاشمي والقضية العربية الأولى, أفضل بكثير من دفاعات هذه الشخصية رفيعة المستوى التي لا تفهم إلا حبك المؤامرات والقصص الفارغة! فقط اثنان ممن تحدثت معهما عن الكتاب أبديا اعجابهما بالكتاب وبدقته وهما رئيس الديوان الملكي الأسبق عدنان ابو عودة ورئيس الحكومة السابق سمير الرفاعي.
في الكتاب الكثير من القصص المثيرة والتي تبين استقامة الملك حسين في تعامله مع مختلف القضايا، غير أن قصة واحدة استوقفتني كثيرا تتعلق بإخفاء معلومة عن الملك حسين!
كان من الممكن أن تمنع المعلومة التي تم إخفاؤها عن الملك حسين نشوب حرب الخليج في عام 1991، هكذا يرى جاك أوكينيل- مؤلف الكتاب.
في الكتاب تفصيل دقيق عن الحوار الذي دار بين ممثل الأردن في الأمم المتحدة آنذاك عبدالله صلاح وممثل الولايات المتحدة توماس بيكيرنغ، وكان فحوى الحوار عرضا أميركيا يقضي الاستجابة لطلبات صدام حسين مقابل انسحاب الأخير من الكويت.
ويستمر جاك أوكينيل في عرض القصة قائلاً: إن توماس بيكيرنغ أخبر مندوب الأردن عبدالله صلاح بأن هناك عددا من الإجراءات يمكن اتخاذها والتي من شأنها أن تستجيب للمطالب العراقية ولكن بنفس الوقت تسمح للعراق بالانسحاب السلمي من الكويت. وجرى هذا الحوار في منتصف آب 1990 وهو تاريخ ما زال الموقف الأميركي والموقف الدولي في بداية التشكيل، واعتقد عندها توماس بيكيرنغ أنه بوسع الولايات المتحدة التأثير على الموقف الدولي ومنع الحرب عن طريق اتخاذ الاجراءات التالية:
أولا: تقليص أو شطب الديون العراقية للكويت.
ثانياً: وقف سحب الكويت من بترول العراق وتعويض العراق عن قيمة البترول المفقود.
ثالثاً: اجبار الكويت على التقيد بالحصص المخصصة حسب منظمة الأوبك.
رابعاً: الترتيب لأن تستأجر العراق جزيرتين من الكويت في منطقة شط العرب.
خامساً: قد تدعم الولايات المتحدة فكرة تغيير الحاكم الكويتي.
كان باعتقاد توماس بيكيرنغ أن النقاط الخمس كافية لاقناع صدام حسين للانسحاب من الكويت قبل فوات الاوان، وهنا قام عبدالله صلاح بالاتصال بالشريف زيد بن شاكر الذي كان رئيساً للديوان الملكي لنقل الرسالة الأميركية.
حينها طلب الشريف زيد بن شاكر من عبدالله صلاح التأكد فيما إذا كان العرض هو من قبل توماس بيكيرنغ دون علم الإدارة أم أنه تعبير عن موقف الإدارة الأميركية، وبالفعل ذهب عبدالله صلاح لتوماس بيكيرنغ الذي بدوره اتصل مع جيمس بيكر وزير الخارجية الأميركي آنذاك بحضور عبدالله صلاح وقال له جيمس بيكر بأنه سوف يتصل به بعد دقائق.
ربما أراد بيكر أن يتأكد من الرئيس بوش، وفي اتصال لاحق قال جيمس بيكر لتوماس بيكيرنغ بحضور عبدالله صلاح إنه يمكن له العيش مع هذا العرض. عندها اتصل عبدالله صلاح بالشريف زيد بن شاكر قائلاً إن هذا العرض هو عرض الإدارة الأميركية وهي تريد من الملك حسين إيصاله إلى صدام حسين.
باختصار، لم يخبر أحدُ الملك بالعرض! وعندما سئل الملك حسين حينها من قبل ريتشارد فايتس (سفير أميركا سابق في عمان) عن العرض الذي نقله توماس بيكيرينغ لم يكن الملك يعرف عما يتحدث عنه فايتس، عندها لاحظ جاك أوكينيل الذي كان شاهد عيان على سؤال فايتس للملك بأن مستشاري الملك بمن فيهم الشريف زيد بن شاكر كانوا ينظرون للسقف ما دفع أوكينيل للاستنتاج بأن أحدا لم يخبر الملك.
يقول أوكينيل إن الملك ومستشاريه لهم أجندات مختلفة وأن بعضهم كان يدير عملية تزويد العراق بالأسلحة وهم كانوا ضد أن تتوسط أميركا بالأمر. وفي الرواية أن علي شكري قال لجاك أوكينيل إن الشريف زيد بن شاكر ربما مرر العرض لرئيس الوزراء مضر بدران والأخير كان مؤيداً لصدام حسين وكان مراهناً على انتصاره!
وفي الأثناء طلب الملك من أوكينيل وفايتس لقاءه في المطار لمرافقته على طائرة الملك للولايات المتحدة، وأخبرهما أن سيارة كانت سترسل لهما لأخذهما إلى المطار لكن السيارة لم تأتِ ولم يرافقا الملك، وكان الهدف هو أن لا يسافرا مع الملك حتى لا يقولا له القصة كما فسر ذلك الأمير حسن لكل من أوكينيل وفايتس آنذاك. وعندما التقى أوكينيل مروان القاسم في واشنطن وسأله عن العرض قال له القاسم إن الوقت مضى وتجاوز العرض!
الخطورة في الأمور التي لم يروها أوكينيل، وهنا نتساءل، إذا كان مستشارو الملك ورئيس ديوانه كانوا بالفعل يعملون عند الملك؟!
كان مفروضاً أن يعرف الملك بالقصة وبخاصة وهو متحمس لحل سلمي وأن الأردن كان سيعاني من الحرب، فكيف يترك مستشارو الملك فرصة كان من الممكن أن تساهم في الجهود الملكية الرامية لتجنيب المنطقة حرباً كارثية؟!.. ثم إذا كان العرض حقيقيا لماذا لم يفاتح أوكينيل الملك مباشرة؟ فالكتاب يبين أن العلاقة بينهما مباشرة وأن ثمة ثقة كبيرة وكيمياء كانت تربط الملك وأوكينيل؟!
نحن بحاجة لتوضيح ممن ما زال على قيد الحياة من مسؤولي تلك المرحلة.
كنت أنوي كتابة مراجعة للكتاب لكن هذه المعلومة تستحق أن يفرد لها مقال خاص وهنا سأتطرق سريعاً لبعض المعلومات المهمة.
الكتاب يروي قصة علاقة أوكينيل بالملك حسين، ويبين كيف أن أوكينيل كان قد ساهم بانقاذ الملك من محاولة انقلاب في عام 1958، وكيف أنه أبلغ الملك عن موعد حرب حزيران الأمر الذي دفع الملك لابلاغ عبدالناصر لكن الاخير استبعد، وكيف أن قراءته الدقيقة لأيلول 1970 ساهمت في ترجيح كفة الملك عن الاميركان وبخاصة كيسنجر، ويتحدث الكتاب عن قيام السي آي أيه بزرع أجهزة تنصت في السفارة الروسية بعمان وغيرها.
فاجأني الكتاب بقصة تعيين اليوت ابرامز في مجلس الأمن القومي الأميركي من قبل مستشارة الأمن القومي كوندوليزا رايس، وقد كشف الكتاب عن حقيقة غائبة عنا في المنطقة وهي أن كوندوليزا رايس كانت وهي بصدد مراجعة السير الذاتية للمتقدمين بوظائف كانت تبعث بهذه السير للسفارة الإسرائيلية في واشنطن لمباركتها!
لن أتطرق أكثر لذلك وهنا دعوة لإعادة قراءة كتاب لوبي إسرائيلي لمؤلفيه جون ميرشامير وستيفن والت لفهم تأثير القوى المؤيدة لإسرائيل على صناعة القرار في واشنطن.
ويروي جاك أنه هو من كان خلف قصة مبادرة السلام العربية وأن الملك اقتنع بالفكرة وفاتح مبارك الذي كان بصدد ترتيب لقاء قمة لتبني الفكرة، غير أن مادلين أولبرايت اتصلت مع مبارك وطلبت منه الغاء الفكرة لأنها كانت ستشتت الانتباه عن جولة مكوكية في الشرق الأوسط كانت معنية بها! الأردنيون الذين كتبوا عن هذه المرحلة لم يتطرقوا لدور جاك اوكينيل وهنا نحتاج لتوضيح منهم.
الكتاب باختصار؛ ممتع للقراءة ويلقي الضوء على محطات مهمة في مسيرة الأردن وكيف ناور الملك حسين ولعب على تناقضات الحرب الباردة لتعظيم مكاسب الاردن (استخدام السوفيات للحصول على أسلحة في نهاية الستينيات)، لكن الكتاب صادم عندما يوضح أن بعض رجالات الملك في فترات حساسة كانوا يحملون أجندات اختلفت عن مستلزمات تعظيم مكاسب الأردن حسب رؤية الملك حسين رحمه الله.
نرجو أن تكون تلك الحادثة معزولة وأن مجلس الملك الحالي هو مختلف، نقول نرجو لان هناك بعضاً من شخصيات تبوأت مراكز في الماضي القريب لها وجهة نظر مختلفة في بعض من هم بمجلس الملك في السنوات القليلة الماضية!