التعديلات الدستورية: رسالة المكان ومحك الاختبار
د.مهند مبيضين
16-08-2011 05:31 AM
لا أظن أن اختيار ساحة قصر رغدان لإشهار التعديلات الدستورية كان دونما رسالة، ذلك المكان الذي سمي "بالمقر" وشهد سنوات التأسيس والأيام الصعبة وفي أروقته تجتمع دفاتر الذاكرة الوطنية وفيه كتب دستور العام1952. ولرغدان من اسمه نصيب فهو من الرغد ومبعث الأمل والتفاؤل، وهو في وجدان الأردنيين البيت الهاشمي الأول ومقراً الحكم والقيادة، وبيت السياسة والأمة الذي تصدر منه القرارات وتُفصل فيه الأمور، وإليه كانت ترحل الوفود وفيه صالون المؤسس الشهيد كان الشعراء يصدحون عمر أبو ريشة، وعبد المنعم الرفاعي وعبد المحسن الكاظمي وفؤاد الخطيب وكامل شعيب العاملي وضياء الدين الرفاعي وعرار.
إنه بيت الملك الأول، وبيت الأردنيين، وكان الجلوس أول من أمس والملك يتوسط الجميع وفي ظهره واجهة القصر التي برع معماريون من بلاد الشام قاطبة في رسم زخارفها التي استوحت أنماط العمارة من نابلس ودمشق والقدس أفضل خلفية توظف التاريخ وتقرر المصائر والمرجعيات لأهم وثائق الحياة السياسية الأردنية، وقد مس الملك في الخطاب الذي ألقاه شيئا من ذلك وبطرف خفي حين تحدث عن الاقتراب من المئوية، ولذلك صلة وثيقة بمعنى اختيار المكان الذي اعتاده الأردنيون بيت حكمة وحكم وإدارة مُلك، ومن دقق يلاحظ أن الملك بعد أن استلم مذكرة التعديل نقلها إلى ولي العهد إشارة إلى الاستمرار والمستقبل.
أما رئيس اللجنة المكلفة بمراجعة الدستور احمد اللوزي "أبو ناصر"، الذي مرّ مطولا هناك في القصر وبه بدأ حياته السياسية، لا شك أنه كان يستذكر ما كان للمكان يوم كانت الدنيا تضيق علينا فبدا مطمئنا لحسن ما أنجز، وهو رجل ما زال "متيقظا" وقد عاصر لحظات الوطن "التي تحسبهن جمرا" وهي لحظات كان الأردنيون كل مرة يخرجون بعدها أصلب عودا وكان الهاشميون فيها وبعدها "أندى الناس يمينا" حتى مع الخصوم.
أما الدستور فمراجعته كانت انجازا، ولو أنها قصرت عن مسألة تشكيل الحكومة بالأغلبية ووفقا لنهج تداول السلطة الذي كان من الممكن أن يكون فصل التحول في الحياة السياسية، لكن الدستور في حلته المعدلة يؤكد أن احد مؤشرات الزمن الجديد القادم هو ارتفاع مؤشر الحقوق الشخصية للأفراد والحرية للإعلام واستقلال السلطات، فنحن إذا أمام حقبة جديدة يمكن أن تكون بداية الإعداد للمئوية الثانية في عمر الدولة.
التعديلات أيضا ستعزز إمكانيات الأفراد في استعمال حقوقهم الشخصية في الحقل العام وداخل المشهد السياسي، بمعنى آخر هناك نقلة نحو التسيّس وبما يعط الديمقراطية دفعة نحو تماميتها الأصلية التي تتأسس على نسيج الحريات التي عززتها التعديلات وحصنتها.
المحك الأول لنتائج التعديلات لن يكون في نقاش النواب لها خلال مهلة الشهر، بل سيكون في الانتخابات التي ستجرى بعد إقرارها بحلة جديدة من حيث الرقابة وجهة الطعون والأشراف والقانون وهذا هو الاختبار القادم. وهنا سيكون المواطن والحكومة عاملي النجاح أو الفشل.
الدستور