تشكل سلة اقتراحات "اللجنة الملكية لتعديل الدستور" , تقدما ملموسا على جميع الوثائق الدستورية الأردنية, بما فيها دستور 1952 ، خصوصا لجهة تحصين الحقوق السياسية والمدنية والحريات, بما في ذلك تجريم الإعتداء عليها او انتقاصها ,والحيلولة دون سنّ قوانين تحد منها , وتجريم التعذيب الجسدي والنفسي.
وفيما يتصل بالمجلس النيابي, فقد اقرت اقتراحات اللجنة, صيغة دستور 1952 ، ولكنها قصرت عنها في نقطتين. فهي أعطت للملك حق تمديد ولاية مجلس النواب ما لا يقل عن سنة وما لا يزيد عن سنتين, وكذلك حق تأجيل إنعقاد الدورة العادية ما لا يزيد عن شهرين. وهو ما ينتقص من المبدأ النيابي في الدوريّة الحتمية للإنتخاب العام, ويحد من استقلالية مجلس النواب ويعطّل أعماله. ومن الضروري التأكيد على معالجة هذين الثغرتين في النقاشات النيابية. فاي تمديد لفترة مجلس النواب لا يرتبط بظروف طوارئ واجبة محددة نصا, ينتقص من الديمقراطية الانتخابية, كما أن أي تأجيل في إنعقاد الدورة العادية يعد مساسا بسيادة البرلمان على نفسه, إضافة إلى أن المواعيد الدستورية النيابية ينبغي أن تُصان قدسيتها منذ الآن, تحت اي ظرف, تأكيدا لمركزية الركن النيابي في النظام السياسي الأردني.
وقصرت الاقتراحات عن دستور 1952 في الإبقاء على حق الملك بحل مجلس الأعيان وبإعفاء عضو المجلس من عضويته. وهو ما يشل القدرة السياسية لهذه الهيئة التي ينبغي تحصينها للقيام بدورها الدستوري, وتحصين العين لكي يلعب دوره البرلماني كاملا.
إنشاء المحكمة الدستورية هو إنجاز ثمين حقا, لكن حصر مراجعتها لتفسير الدستور بالحكومة ومجلسيّ الأمة ومحكمة الإستئناف, يشكّل ثغرة أساسية في هذا الإنجاز, إذ ينبغي أن يكون للهيئات والمواطنين أيضا الحق في طلب تفسير المواد الدستورية لدى المحكمة.
لم يجر الاقتراب من المادة 35 من الدستور التي تنص على حق الملك المطلق في تعيين رئيس الوزراء. ومن الضروري القول إن تعديل هذه المادة بتضمينها مبدأ الإستشارات النيابية قبل تعيين الرئيس,هو الذي يكفل الإنتقال إلى الملكية الدستورية الديمقراطية, وقفل باب النقاش في هذا المجال. ومن الضروري ايضا التأكيد على ان الملك المحصن , والذي ينص الدستور على كونه القائد الأعلى للقوات المسلحة بجميع فروعها, ليس بحاجة لأن يكون رئيسا للسلطات - وخصوصا التنفيذية - فهو رئيس الدولة ورمزها, وينبغي تجنيبه يوميات الحياة السياسية.
هذه هي الثغرات الأساسية التي نراها في في اقتراحات اللجنة الملكية التي استجابت لمعظم المطالب الواقعية المقدمة من القوى السياسية في البلاد. وطالما انها مقترحات, فإن السلوك الإيجابي إزاءها هو تسليط الضوء على ثغراتها وسدّها, وتكوين رأي عام يجمع على وثيقة دستورية يقرها مجلس النواب بالتوافق الوطني.
ولتلافي التحشيد الذي يمكن تجاوزه ضد الإقتراحات الدستورية, ينبغي التوقف المسؤول والنقدي عند المادة 6 من الدستور التي تنص على أن الأردنيين " امام القانون سواء, لا تمييز بينهم في الحقوق والواجبات, وإن اختلفوا في العرق أو اللغة او الدين أو الجنس" ومن الملاحظ ان اللجنة الملكية أضافت " الجنس" في رؤية تقدمية للمساواة بين الرجل والمرأة, لكن قسما أساسيا من الراي العام يخشى أن تكون هذه الإضافة تهدف إلى قوننة منح أزواج وابناء الأردنيات المتزوجين من أجانب, الجنسية الأردنية. وهو ما يعد بابا لتجنيس وتوطين حوالي 300 ألف من ابناء الضفة الغربية, بل يمكن أن يكون مدخلا لإنشاء آلية للتجنيس والتوطين على حساب القضية الفلسطينية والأردن معا.
واخيرا, فإن اقتراحات اللجنة الملكية التي شطبت كل المواد المتصلة بالعلاقة الدستورية والقانونية مع الضفة الغربية فيما يتصل بمجلس النواب, كان يمكنها أن تقدم حلا لإنهاء السجال الداخلي حول دسترة فك الارتباط. فهل يقدم مجلس النواب مثل هذا الحل? .
ynoon1@yahoo.com
العرب اليوم.