"لا يكلف الله نفسا إلا وسعها لها ما كسبت وعليها ما اكتسبت".
لم أكن متحمسا للحديث عن حرية الإفطار، أو ضد الموجة العدائية على المفطرين في رمضان، وملاحقتهم، لأني ولأسباب شخصية لا أجد حافزا للدفاع عن أشخاص وفئات ينعمون بالإفطار وأنا أعاني من الصداع والإعياء. ولكن هذا الحافز بدا في الخبر الذي نشرته صحيفة الشرق الأوسط عن وفاة طفلين في الجزائر بسبب العطش الشديد وإصرار أهلهما على مواصلة الصيام، إذ ظل المسكينان صابرين واثقين بأهلهما حتى توفيا عطشا!!
وأخشى أن موجة التشدد في الصيام ومنع الإفطار ستلحق الأذى الكبير بأطفال ومرضى ومعذورين. وفي النهاية، فإن الصيام مسألة شخصية بحتة وعلاقة بين الله والإنسان، ولا يصح التدخل فيها بأي شكل من الأشكال، فمن شاء أن يصوم أو يفطر فأمره موكول إلى الله، سواء كان معذورا أو غير معذور، فهو سيقابل الله فردا ويتحمل مسؤولية عمله ويكسب، ولن نقدم شيئا للدين والفضائل بالتشديد على الناس ومنعهم من الإفطار. وفي حالة الأطفال والمرضى، فإن وضعهم في بيئة تجبرهم على الصيام أو تجعل الإفطار أمرا مشينا يدفعهم إلى فوق طاقتهم، ولا أظن أن ذلك يرضي الله، ولكن ليترك لكل شخص، طفلا كان أو راشدا، ليقرر وحده وفق ما يجعله مطمئنا لكل ما يتخذه من قرار من دون وصاية أو إرهاب.. أو تشجيع على الإفطار.
ليكن الصيام أو الإفطار شأنا عاديا وشخصيا وليس طقسا جماعيا إجباريا، لأنه ليس كذلك، ولكنه رياضة روحية فردية، يفترض أن تطهر النفس وترتقي بروح الإنسان، وتخلصه من أوهاق الجسد وتطلعاته (ربما)، أو على الأقل يهذب الإنسان بالصيام نفسه ليشعر بآلام الفقراء والجياع ومعاناتهم.. والتحرر من كل أنواع العبودية إلا لله.
هذه الفردية في الصيام، لا يتفق معها الجماعية والاحتفالية السائدة اليوم. وفي جميع الأحوال، فإن إجراءات التشديد في مظاهر الصيام ومنع المفطرين ليست من الصيام ولا الدين، وليس مطلوبا من أحد أن يحقق أو يتثبت في حال المفطرين في رمضان إن كانوا معذورين أو غير معذورين، فإجبارهم على الصيام أو منعهم من المجاهرة بالإفطار لا يخدم الصيام ولا الدين ولم يطلب الله من أحد أو يوكلهم بإجبار الناس على الصلاة والصيام والعبادة "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".. "لا إكراه في الدين".
وفي جميع الأحوال فإن دفع الأطفال إلى الصيام فوق طاقتهم قد يكون خيانة للثقة التي منحونا إياها، فذلك الطفلان المسكينان في الجزائر ظلا متمسكين بثقتهما بأهلهما حتى الموت، ولم يقدرا على تجنب الهلاك بشربة ماء.
الغد