مضى أسبوع على ما تسميه الصحافة والسياسيون البريطانيون أعمال شغب وسلب ونهب. ثمة كثيرون ممن تناولوا ما يحدث على الساحة البريطانية من تطورات، واعتقد البعض منهم أن ما حدث لم يكن سوى سحابة صيف ستمر مرور الكرام، وينتهي الشغب الذي حدث، وخصوصا أن الشعب البريطاني شعب مولع بالشغب على الطريقة "الهولغينزية"!
"الغارديان" على صدر صفحتها الأولى سمت ما حدث "معركة لندن"؛ و"سكاي نيوز" راحت تتابع ما سمّته "مناطق الحرب" في العاصمة. من جهتها، عنونت "ديلي تلغراف" صفحتها الأولى بـ"عهد العصابات"، أما الـ"ديلي ستار" فوصفت ما يجري في بريطانيا بـ"الفوضى".
تلك هي العناوين التي حملتها الصحف البريطانية واختلفت فيها أشكال التحليل، لكن ثمة ثابتا واحدا هو أن العالم يجب أن يتغير. والشيء اللافت للنظر وبشكل مستفز أن أجهزة الإعلام البريطانية الرسمية (بي. بي. سي) تقول إن الذين يقومون بأعمال الشغب هم قلة مندسة، وعملاء، وفوضويون. أي إنها تستخدم نفس إدعاءات النظام المصري السابق، ونظم عربية أخرى في إدانة حركات التحرر الشعبي رغم الفارق بين الحالة العربية في ربيعها والحالة البريطانية.
وتخفق كثير من التحليلات في الذهاب إلى جذور المشكلة. فمن يثير أعمال الشغب بحسب التسمية الإنجليزية التي لنا بالضرورة اعتراض عليها، هم من الشباب المراهقين وغير المنضبطين وأصحاب ميول إجرامية، وهذا أيضا بحسب الراوية الإنجليزية.
ومن مجمل الروايات تلك نتفق معها أن الشباب هم الذين تحركوا في الشارع البريطاني. ولكن ليس دقيقا تماما أن ما حدث في لندن وبعض المدن البريطانية الأخرى مفصول عن السياق الاجتماعي والاقتصادي الذي يعيشونه في إنجلترا. وهذه ليست المرة الأولى التي يثار فيها الشغب، فقد كان لهذه العمل سابقتان وفي نفس المكان تقريبا.
وليس سرا أن اندلاع أعمال الشغب هذه قد تمت في مناطق تعاني من تهميش لإسماع صوتها للعالم. فالمنطقة التي اندلعت فيها أعمال العنف تسكنها أغلبية من السود الذين يعانون ما يعانون من فقر وتهميش وتمييز على أساس عرقي، دفعتهم للتصرف بالطريقة التي شهدناها، والمتمثلة في أعمال السرقة والنهب والحرق؛ فالفقر وغياب العدالة الاجتماعية وانتهاج سياسية التهميش تولد بالضرورة ردود أفعال غاضبة، غالباً ما تنتهي بثورات اجتماعية وسياسية كبيرة. فليس صحيحا أنهم مجموعة من المجرمين الغاضبين والمشاغبين العنيفين يقتلون وينهبون ويعيثون في لندن فسادا، بل حقيقة الأمر أنهم مهمشون جائعون يعانون من التمييز، ومحرومون من حياة كريمة، وما لبث هؤلاء المهمشون أن توحدوا على الرغم من اختلاف اللون والعرق والدين للتعبير عن غضبهم!
وستبقى الحوارات التي تطلقها بعض الجماعات في لندن عن تراجع مفهوم القيم لدى الشباب، والحديث عن التهميش والحرمان الاجتماعي. وربما لن تكون هذه ظاهرة بريطانية فقط، بل ربما سنشهد في المستقبل القريب ثورات اجتماعية تجتاح أوروبا كلها، احتجاجا على الفجوة الطبقية الواسعة التي أصبحت بين الأغنياء والفقراء في المجتمعات الصناعية.
jihad.almheisen@alghad.jo
الغد