عندما كنا صغارا كانت جدتي رحمها الله لا تكف عن ترديد عبارة «كلوا على قدكم»، كلما رأتنا أنا وأخوتي نضع في أطباقنا كميات هائلة من الطعام لن نستطيع أن نكمل حتى ربعها.. وكنا نتضايق كثيرا عندها ونردد داخل أنفسنا كم أن جدتنا حريصة لحد البخل !.. لكننا عندما كبرنا أدركنا العبرة من وراء كلامها.. وأدركنا ايضا أنه يجب علينا أن نحافظ على نعمة المأكل والمشرب من أي هدر أو إسراف، فنحن نأكل لنعيش ولا نعيش من أجل أن نأكل !
وفي سياق الحديث عن المأكل والمشرب، فقد تلقيت العديد من الدعوات لمشاركة اصدقائي وصديقاتي طعام الافطار في هذا الشهر المبارك.. وكم أحسست بالفرحة والسرور لوجودي بينهم في هذه الأجواء الرمضانية الحميمة ومشاركتهم لهفة الانتظار لحين حلول موعد الافطار.. فطبيعة هذا الشهر الفضيل تقوم على مبدأ التواصل والتراحم.. لذا نرى الكثير من الأسر الأردنية في رمضان تعمل على دعوة الأهل والأصدقاء لمشاركتهم فرحتهم بالشهر.. لكن المستغرب أحيانا عندما نشاهد بعض الأسر التي تنسى أن الإسراف ليس صفة مستحبة.. وبأن الإسراف في مد كل أشكال وأنواع الطعام والحلويات على الموائد ليس كرما.. فالكرم يختلف كثيرا في الجوهر والمعنى عن الإسراف!
إن الاعتدال بشتى أشكاله يعتبر منهجا حضاريا وفنا راقيا من الفنون الانسانية الاسمى.. لذا فإن شهر رمضان الفضيل يعتبر الانسب لممارسة الاعتدال في جميع الاشياء.. وكما ويعتبر الشهر الأفضل لصيانة الجهاز الهضمي وعلاجه ؛ إذ يرتاح هذا الجهاز خلاله لأكثر من 12 ساعة ولمدة شهر يسترخي وينظف أجزاءه المختلفة.
الإسراف في تناول الطعام الدسم بعد صيام ساعات طويلة من النهار يؤدي إلى عسر الهضم والإصابة بالإرهاق والتخمة.. فالصيام بحد ذاته يجدد حيوية الجسم ويزيد شبابه، لذا يعتبر شهر رمضان فرصة عظيمة لتعديل العادات الغذائية السيئة وتصحيحها وعلاج الجسم من أمراض متفشية كثيرة والتخلص من الأوزان الزائدة !
إن الصيام باختلاف أشكاله هو عبادة يشترك فيها جميع أتباع الديانات السماوية والغاية منه بحسب تأكيد المختصين في علوم الدين هو التقوى وعدم الإسراف.. فالصائم يصوم ويكون الصيام سببا للتقوى، وهو يمتنع عن الاكل والشرب ويشعر بالجوع والعطش، ويترك هذه الملذات لا عجزا عنها ولكن طاعة لله سبحانه وليتذكر نعمه ويشعر بحاجات الفقراء والمنكوبين والمعوزين الذين تمر بهم الايام والليالي ولا يجدون ما يأكلونه!
الغذاء الصحي المتوازن المعتدل البعيد عن الإسراف يجعل الصائم يتمتع بصحة جيدة ومن خلاله يستطيع أداء فروضه وواجباته الدينية والدنيوية من دون مشاكل أو متاعب صحية.. لذلك عليه الإعتدال والإهتمام بما يتناوله خلال هذا الشهر ليحافظ على صحته!
«كلوا على قدكم» هي نصيحة طيبة أتمنى من الجميع أن يأخذها بعين الاعتبار.. وكل رمضان والجميع بألف خير.. وكل عام ونحن والاعتدال رفقاء أوفياء !
www.diananimri.com
الرأي