وأخيرا خرجت الدول العربية عن صمتها حيال ما يجري في سوريا ، واتخذت موقفا لما يدور على الساحة السورية ، من قمع وقتل للمواطنين العزل ، مطالبة بضرورة وقف نزيف الدم ضد أبناء الشعب الذي يتمسك بالحرية " ليس غير ذلك " ، فتعددت المواقف ؛ فمنها من استدعى سفيره هناك ، ومنها من أكد عدم استدعاء السفير ، كالأردن الذي أدان العنف في سوريا ، وبذات الوقت لم يسحب سفيره من هناك ! تناقض فظيع!!!.
بعيدا عن الحديث عن الفاعلين الأساسيين أو "اللعيبة " على الساحة السورية ، ومن بعد إنساني لشعب تربطنا به علاقات الدين واللغة والمكان والنسب والتعايش ، فإن المنظور الإنساني يحتم علينا الطلب من الحكومة ، التي تمثلنا أن تتوافق مواقفها مع توجهات الشعب ، الذي يرفض المشاهد المؤلمة من قتل وتنكيل واستفزازات وممارسات غير إنسانية بحق المدنيين العزل .
صحيح أن الترحيب الدولي بقرار بعض دول الخليج - التي خرجت من سباتها أخيرا – مثل السعودية والكويت والبحرين ، الذين سحبوا سفرائهم من دمشق لا يعنينا ، ولكنه يعطينا مؤشرا عن الاتجاهات الدولية والعربية بهذا الشأن الذي أصبح مقلقا للجميع ، إلا أن أكثر ما يحيرنا موقف الأردن الخجول تجاه ما يجري في سوريا ، وخاصة بعد أن خرجت تصريحات تؤكد عدم سحب السفير الأردني من سوريا ، رغم المطالبات الشعبية المتواصلة لاتخاذ موقف واضح حيال هذا الأمر.
وعلينا أن لا ننسى بأن عددا ليس بالقليل من الأردنيين من أصول سورية ، ويعرفون ب ( شوام عمان ، وشوام اربد ، وشوام معان ) ، ومن يؤيدهم من أبناء الشعب الأردني ، الذين يطالبون من خلال الإعتصامات المستمرة أمام السفارة السورية ليس بسحب السفير فقط، بل بطرد السفير السوري أيضا .
إن الحكومة الأردنية وهي تعبر عن حزنها وقلقها حول ما يدور في سوريا ، عليها أن تتجاوز الانقسامات بين مواقف النخب السياسية ،والشارع الأردني ، لان الدماء التي تسيل في سوريا هي دماء عربية وإسلامية ،يتوجب على الحكومة أن تتخذ موقفا ، وأن تعلن عنه بجرأة ودون استحياء ، للمساهمة بوقف هذا النزيف المتواصل في دمشق وباقي المدن السورية .
إن الحديث في هذا الموضوع ليس من باب التحريض أو ( مع أو ضد) ، إنما يأتي في إطار الحرص على حياة المدنيين ، ووقف نزيف الدم الذي تشهده سوريا منذ آذار الماضي ، ويذهب في غير مكانه ، وكذلك فإن الخصوصية التي تربط علاقاتنا مع دولة شقيقة متاخمة لنا بالحدود ، يجعلنا ننظر بقلق إلى هذه المسألة ، لأن المساس بشأن سوريا الداخلي خط أحمر ، وموقفنا سيلامسنا من هذا الخط الأحمر و يؤثر علينا بمختلف النواحي السياسية والاقتصادية والاجتماعية ، ولننظر إلى الموقف التركي الذي أعلن بكل شجاعة وصراحة وتحيز للشعب الأعزل ، وكان التحرك سريعا وقويا في جميع الاتجاهات ،فلم لا نتخذ موقفا مشابها خاصة أننا نتجاور مع سوريا عروبة وجغرافيا .
قد نعذر الحكومة ، موقفها الضبابي ، الذي يترتب عليه استحقاقات عديدة ، على المستوى الشعبي والعلاقات بين الدولتين ، لكن هذا لا يعفيها من اتخاذ موقف رسمي ،أو إصدار قرار تستجيب فيه لمطالبات الشعب الأردني العربي الغيور على مصالح العرب المسلمين وتطرد السفير السوري ، وتستدعي سفيرها من دمشق ، وأن لا تتخذ موقف المشاهد الصامت كما فعلت طوال الفترة الماضية ، وبالذات ما يتعلق بموقف الحكومة السورية المعرقل لعمل اللجان الأردنية السورية المشتركة ، وتعطيل مناقشة الملفات العالقة والساخنة بين البلدين ومنذ زمن " كملف المياه والحدود و.... " .
إن ما تنتظره القوى الشعبية الأردنية من الحكومة ، اتخاذ موقف صريح وواضح تجاه ما يحدث في سوريا ، فشوارعنا تشهد اعتصامات متواصلة ضد النظام السوري ، فالحكومة الأردنية تقلق ولا تتخذ موقفا رسميا ، ولم تبادر إلى استدعاء سفيرنا لا للتشاور ولا للأبد ، وسفيرهم ما زال هنا يفطر يوميا على مشهد الشموع وهتافات الغاضبين لما يدور هناك في الشام ..وعلى ورد الشام ، الذي ارتوى بدماء أبنائه .. فهل من قرار قريب؟!!.
Jaradat63@yahoo.com