طرفان فقط ما يزالان يمارسان دور اللوبي في دعم النظام السوري؛ إسرائيل وإيران. فإسرائيل تعرف مصلحتها جيداً في بقاء النظام السوري الذي يحمي جبهة الجولان منذ نحو أربعين عاماً، بحيث لا يسمح لعصفور أن يخترق الحواجز، وتعرف أيضاً أن حبل أحزاب المقاومة والممانعة مربوط في دمشق، لذا فأي تغيير على بنية النظام السوري سوف ينعكس فوراً على الجبهة الإسرائيلية، ومن أجل هذا كان رامي مخلوف واضحاً منذ البداية عندما قال إن أمن سورية من أمن إسرائيل.
وإيران التي من مصلحتها أن يبقى النظام السوري على ما هو عليه، تعمل بكل جهد على دعمه، حتى يبقى مخلب قط لها في المنطقة، ومن خلاله تلاعب الغرب، وتمارس سياسة المصالح وكيفية إدارتها في مصلحة قرصها الإقليمي.
العرب، وبعد صمت طويل على مجازر النظام السوري الذي يواجه شعبه بالدبابات والقتل الواسع، غادروا مراحل الصمت والسلبية، وأخذت دول الخليج السبق في التعبير عن موقفها، أولاً من خلال بيان مجلس التعاون الذي دعا إلى وقف فوري لأعمال العنف والمظاهر المسلحة التي يتصدى بها نظام دمشق لاحتجاجات شعبية حاشدة مناهضة له، وثانياً بعد الخطاب الواضح للعاهل السعودي الذي طالب بوقف "آلة القتل"، وأعلن أن المملكة لا تقبل بما يجري في سورية، وتبع هذا الكلام الواضح استدعاء سفير بلاده في دمشق، وهو ما حذت حذوه دولة الكويت ثم البحرين.
الموقف السعودي جاء بعد ساعات من موقف بارز صدر عن الأمين العام لجامعة الدول العربية نبيل العربي، الذي دعا السلطات السورية إلى "الوقف الفوري لجميع أعمال العنف والحملات الأمنية"، بعدما كان أحد المتاجرين بالدم السوري أثناء زيارته لدمشق وثنائه في المؤتمر الصحفي على النظام، وإعلانه أنه يقوم بإصلاحات مناسبة للشعب السوري.
موقف العربي جاء وسط تزايد الضغط الدولي على سورية، إذ تبلورت بعد البيان الرئاسي الصادر عن مجلس الأمن، والذي دان العنف في سورية، مواقف لافتة لروسيا وتركيا التي قال رئيس وزرائها رجب طيب أردوغان: إن صبر تركيا "نفد" إزاء استمرار نظام الأسد "بقمعه الدموي للمتظاهرين"، ما زاد من العزلة السياسية للنظام في دمشق، والذي صعّد عملياته العسكرية ضد عدد من المدن. ثم قيام أردوغان بإيفاد مهندس الدبلوماسية التركية أحمد داوود أوغلو إلى دمشق محملاً برسالة تركية "حازمة" وأميركية مهددة، يوم الثلاثاء الماضي.
وحده النظام السوري و"السحيجة" الموالية له ما يزالان يمارسان "إعلام الصّحاف"، فالمستشارة السياسية والإعلامية في رئاسة الجمهورية السورية بثينة شعبان ما تزال تتحدث عن المؤامرة الخارجية، وتردّ دمشق على الموقف الخليجي في بيان لمصدر رسمي سوري، لم تسمه وكالة الأنباء الرسمية "سانا" التي نقلت تصريحاته، وقالت إن بيان مجلس التعاون "تجاهل بشكل كامل المعلومات والوقائع التي تطرحها الدولة السورية، سواء لجهة أعمال القتل والتخريب التي تقوم بها جماعات مسلحة تستهدف أمن الوطن وسيادته ومستقبل أبنائه، أو لجهة تجاهل حزمة الإصلاحات الهامة التي أعلن عنها بشار الأسد".
الأنكى من ذلك ما فعله عبقري النظام السوري وقائد دبلوماسيتها الخارجية وليد المعلم، الذي جمع السفراء العرب والأجانب في اليوم الذي كانت دبابات نظامه تخترق شوارع حماة، ليتفذلك عليهم قائلاً "إن المعارضة هي الملومة على ما يحدث في المدن السورية".
المعلم الذكي الذي مسح أوروبا من الخريطة في حديث سابق، تعهد أمام السفراء بإجراء انتخابات حرة ونزيهة قبل نهاية العام الحالي 2011، سينبثق عنها برلمان يمثل تطلعات الشعب السوري، غافلاً عن أن الشعب السوري قد تجاوز في مطالباته البرلمان والتمثيل الشعبي المزور تاريخياً، إلى إسقاط النظام، الذي يبدو أن نهاياته أصبحت قريبة حسب المعطيات الداخلية في استباحة حرمات جميع المدن السورية تقريباً، والمعطيات الخارجية باحمرار عيون العرب والغرب وروسيا وتركيا عليه.
من أكثر ما أضحك المتابعين ثم أبكاهم ما قام به القذافي من سحبه للسفير الليبي من دمشق وطرد السفير السوري من طرابلس احتجاجاً على القمع الدموي الممارس على الشعب السوري.
نعم، إنهم يمارسون الجنون والسلطنة على حساب دمنا.
الغد