تعثرت في بحثي على الانترنت بموقع الكتروني يوفر، بزعمه، تحميل برامج للتنصت على أي تلفون تريده في العالم.. تضرب كفاً بكف ازاء هذا الانحدار والأدهى أنك تفاجأ بكمّ الراغبين بتحميل البرنامج والسائلين: دلوني على طريقة تحميل البرنامج بسرعة! ، ولعل مردوخ بطل فضيحة التنصت الإعلامية حالة قائمة بيننا في كثير من تفاصيل حياتنا.. أما رأيي في ذلك كله جملة استعيرها من الراحل محمد الماغوط تقول: مجرم من يعبث في دروجي وأوراقي في غيابي ، فهو تماماً كمن يعبث بعفاف طفلة في المهد.
أضم صوتي للمطالبة باعتبار التجسس جرماً يعاقب عليه القانون، لأنه وليد نفسية غير مستقرة، أفلا نصل إلى المعلومة إلاّ بانتهاك الآخر وإفساد الروابط الإنسانية؟ أليس ثمة وسيلة أكثر احتراماً وكما يليق؟؟.
«هل في العالم مردوخ واحد».. تساؤل طرحته مجلة سيدتي في عددها الأخير تحت ملف بعنوان «لا خصوصية بعد اليوم» ، وفجر التحقيق ظاهرة التنصت على الغير انطلاقاً من فضيحة «نيوز أف ذا وورلد»، فقد استباح اخطبوط الاعلام روبرت مردوخ خصوصيات آلاف الناس بكل بساطة عبر أساليب تنصت مقززة. ويؤكد التحقيق في «سيدتي» بأن العالم بات مكتظّاً بنماذج مردوخ من الجيران والأزواج وزملاء العمل ووسائل الإعلام.
تناولت قبل عامين تقريبا ظاهرة تجسس الأزواج على بعضهم لكنها ظاهرة تمتد لتصيب شرائح عديدة في المجتمعات فمن زميل يتجسس على ايميل زميله في العمل إلى جارة مهووسة برصد حركات جارتها من النافذة، ولا ننسى هواة القرصنة الالكترونية.. وهل يسلم بعض الإعلام في العالم من هذه البلية في سبيل الربح المادي؟.
مخطئ من يظن أن الأمر يقتصر على الوسائل البدائية في التنصت فصرعات التجسس لاتقف عند حد.. من نظارة شمسية تهديها الزوجة لزوجها تصور تحركاته، أو شريحة دقيقة على زر القميص أو الموبايل أو كاميرات على شكل حاملة أقلام أو قلم حبر ينقل الصوت والصورة أو آلة رصد وتسجيل بشكل معطر جو ، ناهيك عن التفتيش في التلفون المحمول ، ذلك غير برامج الكمبيوتر والفيديو التي ترصد كل كبيرة وصغيرة.
وعودة إلى تحقيق مجلة سيدتي الذي رصد رأي بعض الإعلاميين بأن أغلب بلداننا العربية تخترق كل ما هو شخصي، ولا شيء عندنا اسمه «الإعلام للإعلام»، بل تحول إلى تجارة وهذا التحول أدخله في مطبات مشابهة لما وصل إليه مردوخ، ولكن لا وقت عندنا للمساءلة، مادام الربح المادي مستمراً والعقوبة القانونية لازالت متعثرة وغير قابلة للتطبيق لعدم اكتمال الأدلة.
أوافق أن تقصير التشريعات القانونية يساعد على استسهال انتهاك خصوصية الآخر.. فوق ذلك وأهم منه الأمر الالهي القاطع: ولا تجسسوا». ثم يأتي من يقول بكل أريحية أرجوكم دلوني بسرعة كيف أحمّل برنامج التنصت على التليفون!.
رنا شاور
(الراي)