إنه زمن النهب الحلال.. والنصب الزلال.. فهذه مشاريع السُحت تملأ وتغزو ما تبقى من وعينا.. في القديم كان اليانصيب المسمّى بالخيري هو الباب الوحيد الذي نستغفل به، لكن كان على الأقل يتذرّع القائمين عليه بالعمل الخيري، وكانت قيمة ورقة اليانصيب لا تتجاوز دينار واحد، وكان شهرياً، وكان هناك لجنة مشرفة على اليانصيب، وكان يتم بثّ نتائج السحب على التلفزيون.. لا زلتُ أذكر جيداً ذلك الرجل – رحمه الله- والذي كان يشتري ورقة أو أكثر في كلّ دورة من اليانصيب، وحيث واظب على هذا الأمر لأكثر من عشرين سنة دون أن يربح لمرّةٍ واحدة حتى مجرّد ثمن الورقة ذاتها، وعندما توفّي تبين أنه كان يحتفظ بالأوراق في كيسٍ كبيرٍ وكأنه أراد أن يؤرّخ تماماً كم أمضى من عمره وهو مستغفل.
ما يحدث الآن شيء أكبر من الفوضى ومن النهب أو النصب.. ما يحدث أن شركات الاتصالات وغلى جانبها تقوم شركات طفيلية ومنها محطات إذاعية وفضائية تعتمد في أرباحها على حجم هبلنا وحلبنا، فهي تقوم بنهبنا وعلى مدار الساعة، بينما كان اليانصيب مرّةً في الشهر، وإن نسيتُ فهناك اختراع معولم يسمّى ( التصويت) وآخر يسمّى بالمسابقات أو باختيار الأغنية أو الفيلم أو المتسابق أو المتسابقة، ونذكر تلك الموجة الناهبة التي داهمتنا عبر بطاقات باسم الرياضة وخاصةً كرة القدم والطائرة والسلّة واليد.. والتي اختفت بعد أن طلعت ريحة فسادها وفساد القائمين عليها..
ما يحدث الآن أنك لا تدري من أية جهةٍ سيتم استغفالك وسرقتك عينك عينك.. فأنت منهوب منهوب، لكن السؤال: أيّ النهّابين هو الأسرع لنهبك؟.. نحن ننهب باسم الوطن وباسم البترا وباسم الشعر وباسم الثقافة والأدب والفن.. باسم الديمقراطية.. باسم الانتخابات.. باسم أيّ شيءٍ عدا اسمنا.. نحن نُدعى فقط ليتم الضحك علينا.. نحن ندعى ليتم أكلنا وطحننا..
ماذا كسبنا من سوبر ستار.. من ستار أكاديمي.. ماذا سنكسب من شاعر المليون.. ماذا سنستفيد من بشّار وبشرى..
لقد قالها أمل دنقل ذلك المقهور: نحن الذين لم نتذوق لحم الضأن.. نحن الذين ليس لهم أدنى شأن.. نحن الذين ندعى للموت.. ولا ندعى للحياة..
هل بقي فينا ما يمكن حلبه.. هل بقيت لنا روح لتموت.. ماذا تبقى منا..
E-mail:majedkhawaga9@yahoo.com