متى سننسى المفاوضات كما نسوها؟ ..
اسامة الرنتيسي
09-08-2011 08:25 AM
وزير خارجيتنا ناصر جودة يكاد يكون الوزير العربي الوحيد الذي يحافظ على منسوب تصريحاته الخاصة بعملية السلام، ولا يحاول أن يجتهد كثيرا في التطورات التي تحدث حولنا.
جودة ما يزال يردد يوميا أن الموقف الأردني متطابق تماما مع موقف السلطة الوطنية الفلسطينية بأن الطريق الأمثل للوصول إلى حل الدولتين وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة على التراب الوطني الفلسطيني هو من خلال المفاوضات، وهذا هو الحل الأمثل لأنه من خلال المفاوضات نستطيع أن نعالج قضايا الحل النهائي.
لندرك ثم نتفق على شيء واحد في البداية، هو أن الحكومة الإسرائيلية أثبتت أنها ليست جادة في موضوع المفاوضات، ولا في توجهها نحو السلام، وما دامت كل الأوراق في يدها وفي يد الولايات المتحدة التي تؤيدها فإن عملية السلام لن تشهد تقدما حقيقيا، وهذا ما أدركه الفلسطينيون وهم يقررون الذهاب للأمم المتحدة، سعيا وراء اعتراف دولي بدولتهم في حدود العام 1967.
قد يكون هذا الاعتراف رمزيا، لكن تأثيراته قد بدأت في الظهور حتى قبل الحصول على هذا الاعتراف. فها هو رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو يبدي استعدادا لفظيا وتكتيكيا للتفاوض على أساس حدود 1967، وإن كان القصد من كلامه هو كسب الوقت، وإحباط التحرك الفلسطيني، لكن التحول الشكلي في موقف نتنياهو يثبت كذلك أهمية الذهاب للأمم المتحدة، فإن لم يكن هذا التحرك مفيدا من الناحية الواقعية فلن يكون ضارا أو سلبيا على القضية الفلسطينية. ولهذا يتعين المضي قدما في هذا التحرك مهما كانت الضغوط والمغريات، فهو المسار الديناميكي المتاح أمام الفلسطينيين، ويجدر بهم عدم التراجع عنه. في الوقت الذي يتحدث فيه وزير خارجيتنا عن المفاوضات كطريق أمثل، تطلق إسرائيل يوميا مخططات لبناء آلاف من الوحدات السكنية في عدد من الأحياء الاستيطانية بالقدس العربية المحتلة، مما يفند أي حديث حول جهود سلام ومحاولات لإيجاد صيغة تسمح باستئناف المفاوضات، وهو ما يؤكد أننا أمام أمرين تفصل بينهما هوّة سحيقة.
الأول "واقع" وهمي ينطوي على كثير من التضليل، ويوحي بأن هناك تحركات سياسية-دبلوماسية جادة لاستئناف المفاوضات وإنقاذ عملية السلام التي لم يبق منها سوى اسمها. والثاني الواقع الحقيقي الذي تطغى فيه أصوات الجرافات ولغة فرض الأمر الواقع في الأراضي المحتلة سواء بإحكام عزل القدس العربية عن محيطها الطبيعي والاستمرار في خطوات متسارعة لتهويدها أو في استمرار إسرائيل بفرض حصارها الجائر على قطاع غزة، والقيام بحملات يومية من المداهمة والاعتقال في الضفة الغربية، عدا عن تقطيع أوصال الأراضي الفلسطينية وفرض المعاناة اليومية على الفلسطينيين أمام حواجز الإذلال العسكرية. هذه الصورة القاتمة تؤكد أن إسرائيل ليس في واردها صنع السلام ولا البحث عنه، فهي تستخف ليس فقط بالشريك الفلسطيني المفترض في عملية السلام؛ وإنما تستخف أيضا بالأمتين العربية والإسلامية، بل بالمجتمع الدولي قاطبة، متنكرة للشرعية الدولية ومنتهكة بشكل فظ للقانون الدولي في مختلف أوجه تعاملها مع الشعب الفلسطيني الخاضع للاحتلال.
في المحصلة فإن المطلوب أن يتحمل المجتمع الدولي مسؤولياته السياسية والأخلاقية تجاه القضية الفلسطينية، وبخاصة الدول ذات الصلة بعمليات السلام، كما أن المطلوب فلسطينيا وعربيا وإسلاميا تحرك فاعل ينسجم مع مستوى التحديات التي تفرضها إسرائيل حتى يمكن إنقاذ عملية السلام فعلا ووقف إسرائيل عند حدها، وبخاصة أن هذه الحكومة الإسرائيلية تجاوزت كل الحدود وكل الخطوط الحمراء.
الغد