الأمة .. ومحاكمة ولاتها .. !
أ.د.فيصل الرفوع
08-08-2011 02:32 PM
ما زال العرب يذكرون بشيء من الأسى أسر الروم للملكة العربية الزباء بنت عمرو بن حسان بن أذينة بن السميدع، ملكة تدمر والشام والعراق والجزيرة ومصر وآسيا الصغرى، والتي وصلت حدود ملكها إلى ما بعد أنقرة. كما لم تغب عن الذاكرة العربية صورة الأصفاد التي طوق بها الروم ساعديها حينما سيقت إلى المحكمة الفاقدة للشرعية، وما زال التأريخ العربي يذكرنا بالأسى الذي سببه إنتحارها سنة 282م، بعد تلك المحاكمة الصورية- السياسية، التي تعبر عن حكم ظلم حق القوة، مقابل عدالة قوة الحق، وإختيارها الموت المشرف على حياة الإستكانة...!!!
أتذكر هذا الآثر التراثي، وأنا أرصد ما أفرزه يوم 4/8/2001 من تساؤلات حول محاكمة الرئيس المصري السابق محمد حسني مبارك. أولها، لماذا حزنت الحركة الصهيونية والغرب معاً لمحاكمة الرئيس المصري محمد حسني مبارك يوم 4 آب-2011؟؟؟. وإستنفر الإعلام الغربي متعاطفاً مع الرئيس، خاصة الإعلام الصهيوني. حيث وصفت صحيفة «يديعوت أحرونوت» -في مقالها الافتتاحي تحت «أين الشفقة؟»- «إن عيونا غربية تنظر إلى هذا المقام وتتساءل: كيف يضعون رجلا شيخا مريضا داخل قفص، ذليلا أمام عيون الجميع؟». في الوقت الذي رقصت فيه الصهيونية العالمية ومن ورائها الغرب، وحليفتهما الحركة الصفوية لمحاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين وإعدامه يوم 30 كانون الأول 2006؟؟؟.
وثانيهما، لماذا حزن معظم العرب على إعدام صدام، بالطريقة التي أعدم بها، في يوم عيد المسلمين؟؟؟. وفي الوقت الذي يرى فيه الكثير من العرب والمسلمين إن من حق الشعب المصري محاكمة رئيسه، ووجد العديد من المبررات لهذه المحاكمة، لم يجد أي من أبناء الأمة العربية مبرراً أخلاقياً ومشروعياً لقدوم القوات الغازية ومن ورائهم الصهاينة والصفويون على إعدام الرئيس العراقي السابق صدام حسين.
ولربما لو تم محاكمة الرئيس صدام بأيد عراقية-عربية، نتيجة لإقدامه على إحتلال دولة آمنة مسالمة وشقيقة وهي الكويت، لكانت النظرة العربية لمحاكمته وإعدامه غير التي رأينا. ولن يسجل له التأريخ ما سجل من أمجاد إستشهادية، ولكن محاكمته جاءت بناءً على مصالح غربية- صهيونية- صفوية، لا علاقة لها البته بإرادة الشعب العراقي او الأذى الذي إنعكس على الواقع العربي بسبب سياساته الفردية. لذلك لم تجد الأمة، في أغلبيتها، أي مبرر للطريقة التي أنهيت بها حياة صدام، في حين وجدت نفس الأغلبية العربية العديد من المبررات لما حصل يوم 4/8/2011 حول محاكمة الرئيس مبارك. وقطعاً لا يساوي التأريخ العربي نهاية حياة الزباء المشرفة، كنهاية حياة « أبي رغال» او «إبن أبي العلقمي» غير المشرفة.
وإذا كان من حق الشعوب أن تطبق العدالة على حكامها الذين لا يوقف جبروتهم في مواجهة شعوبهم «إلاً ولا ذمةً»، ومن حق الشعوب أن تقتص من حكامها وتجاوزاتهم على حرمة الدماء والزرع والضرع.
وإذا كانت الأعراف البشرية والقوانين الوضعية، وقبل هذا وذاك، حكم السماء، مع الحق والعدل والمساءلة، وتعزيز رخصة القصاص العادل من الحكام الظالمين وسارقي ثروات الشعوب ولقمة عيشهم، إلا أن ذلك يجب أن لا يكون على حساب مبدأ الرحمة، وعلى طريقة محاكمة الرومانيين لـ» نيكولاي شاوسيسكو»..! فحتى الحجاج بن يوسف الثقفي رحمه الله، المعروف بقسوة قلبه، لم يكن راغباً في أسر سعيد بن جبير رحمه الله، حتى لا « يبتلي بدمه».
وبالتالي فإن الثورة المصرية التي بها نعتز، والجيش العربي- المصري الذي نرفع له الهامات إجلالاً وإكباراً، والشعب العربي- المصري الذي نعتز بأخوته، كل هؤلاء أغنياء عن النيل من رجل بلغ من العمر عتيا، إلا بما أمر به الله عز وجل وشرعه الحنيف....حمى الله مصر...الثورة والجيش والشعب!
alrfouh@hotmail.com
أ. د. فيصل الرفوع
(الراي)