وقعت على مسامعي كلمات لقصيدة حملت عنوان " احترامي .. للحرامي !! " كتبها الشاعر السعودي الأمير عبدالرحمن بن مساعد بن عبدالعزيز آل سعود ، وغنتها المطربة المصرية الشابة أمال ماهر ، فشدت انتباهي ، وأثارت فضولي لمحاكاتها واقعنا الأليم ، وما تمخض عنه من استشراء للفساد والمفسدين ، واستغلال بشع للوظيفة ، والسطوعلى المال العام ، وتَحيّن الفرص لجمع ثروات غير مشروعة تحت غطاء الوظيفة في ظل غياب الرقابة ؛ وبمباركة أصحاب النفوس الضعيفة من المسؤولين ، حتى وصل الحال بمكافأة هؤلاء اللصوص ليصبحوا أصحاب الكلمة والقرار .
وتلفت الكلمات انتباه السامع من أول مرة ، فهي تَسخر من هذا الواقع ، الذي وصلنا إليه ، فالأغنية تصف بدايات الحرامي ، بأنه صاحب المجد ، والنفس العفيفة ، واليد النظيفة ، وهو الإنسان العصامي الذي يتمتع بالحنكة والحيطة ، فقد بدأ حياته بسرقة بسيطة ، وجلب من معاشه بالوظيفة ثروة مخيفة ، إلى أن تعدى محيطه ، وأصبح بالصف الأمامي ، الأمر الذي استوجب "احترام الفساد "، و"احترام اللصوص " الذين يملؤون جيوبهم دون الخوف من العقوبة ، كونهم "لا يقربون الحرام "، و"لا يأكلون أموال العباد "، إلا في جنح الظلام .
لقد دفعتني تلك الكلمات التي تحاكي الفساد، إلى الخروج من إطار الأغنية إلى ما هو أكبر ،بعد أن أصبحت ظاهرة الفساد متعددة الوجوه ، وتوسعت لتشمل مختلف القطاعات ، بحيث ننتخب الفساد والمفسدين ، عن طريق طرح مسابقة تُخصص "لأفضل فاسد "، وجائزة أخرى " لأفضل وسيلة للفساد ، دون ترك أثر " وهي فرصة لخلق أساليب وأفكار جديدة بين المتنافسين ، ما دام الفساد وصل إلى مرحلة من الإبداع .
ولن نتوقف عند ذلك ما دام الفساد أصبح واقعا معاشا ، بل لا بد من المبادرة بعقد مؤتمرات ودورات تدريبية وورش عمل ، يتم فيها استعراض طرق الفساد وأساليبه من خلال استضافة أشهر وأمهر وأكثر الفاسدين المتمرسين، للحديث عن تجاربهم ، والتعرف على بداياتهم ، والصعوبات التي واجهتهم في مسيرة ملء الجيوب بالفساد ، والنتائج التي خلصت إليها تجاربهم ، ليضعوها بين أيدينا لعلنا نستفيد منها ، في محاولة لتقديم النصح والفائدة والمشورة ، لهؤلاء المبتدئين في المهمة ، التي أصبحت تحمل شعار الشطارة ، ومفتاحا للتقرب منه ، للإستفادة من فنونه وكفاءته المطلوبة في هذا الزمن الخطأ .
ومثلما تُدرس جامعاتنا ومعاهدنا قيم الفضيلة والأخلاق والمثل العليا - التي لم تعد موجودة في زماننا -، فقد تجد في طرح مساقات الفساد ضمن مناهجها ضرورة بعد أن ذاع صيت الفاسدين والمفسدين ، وبعد أن أصبح الفساد جزءا من السيرة الذاتية ، التي تفتح الأبواب أمام أصحابها للعمل في المواقع والوظائف الحساسة .
وتحضرني حادثة وأنا استذكر تلك المشاهد التي لا تحصى عن الفساد والمفسدين ، جرت قبل خمس سنوات ، عندما تم تعيين أحد الأشخاص في أكثر المواقع حساسية ، وبعد ثلاثة أشهر فقط من تحقيق الإدعاء العام معه في قضية تجاوزات مالية في احدى الشركات !! ، والعجب في الموضوع أن هذا الشخص ما زال لغاية هذه اللحظة في ذات الموقع الحساس .. وياعجبي!!.
هذا المقال ينبه القارئ إلى مخرجات الفساد ، لكنه قد لا يجلب لهم المتعة والتسلية ، فحتى يتحقق ذلك لهم ، فها أنا ذا ، أهدي لكم ولكل محبي الاستماع ، تلك الكلمات المعبرة عن واقعنا ، أغنية المطربة الشابة صاحبة الصوت الرخيم ، والأغنية الأكثر قبولا عند المفسدين (احترامي للحرامي ) على الرابط:http://www.youtube.com/watch?v=N03wNviV3G0&feature=share
وأقول للقلة الباقية من أصحاب السرائر النقية : أنتم من تبقى في هذا الزمن وعليكم تنبى الآمال ، لكبح جماح الفساد في كل كل مكان ، لأنكم (الصح في زمن الخطأ)..
سهير جرادات
jaradat63@yahoo.com