ورط الرئيس الاميركي جورج بوش الكثيرين من المعلقبن السياسيين بتصريحين بديا متناقضين إزاء الحكومة العراقية , فبعد يوم واحد من تعبيره عن خيبة الأمل مما يجري في عاصمة الرشيد عاد بوش ليؤكد مساندته لرئيس الوزراء العراقي نوري المالكي واصفا إياه بأنه رجل صالح يضطلع بمهمة صعبة , وأنه يسانده, مشيرا بان قرار تغييره لا يرجع إلى الساسة الامريكيين وإنما إلى الشعب العراقي.والذين أخذوا التصريحات الاولى بجدية كبيرة استندوا إلى صدورها عن الرئيس الاميركي بعد ساعات فقط من تصريحات سفيره في بغداد الذي وصف التقدم السياسي في العراق بأنه مخيب للامال إلى أبعد الحدود وتحذيره من أن الدعم الاميركي لحكومة المالكي لن يكون صكا على بياض إلى الابد .
كما أن التسرع في الاستنتاج بأن بوش تخلى كليا ونهائيا عن المالكي الذي وصفه ذات يوم "انه الرجل الصحيح للعراقيين" يستند خطأ إلى مجموعة التصريحات التي دأب مناهضو الحرب على إطلاقها مستغلين فرصة اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في اميركا وتعاطف الديمقراطيين معهم لاسباب انتخابية , لكنهم تجاهلوا أن كافة مسؤولي البيت الابيض رفضوا تفسير وسائل الاعلام العالمية لتعليقات بوش الاخيرة التي أشارت إلى الاحباط مصرين على أن واشنطن تواصل دعم المالكي .
حين يجرب واحدنا أن يجمع التصريحين الصادرين عن سيد البيت الابيض سيكتشف أن لا تناقض فهو يرى في الأول أن لاتقدم في العراق وأنه يشعر بخيبة أمل ويطالب رئيس الوزراء بالمزيد من الجهد للوصول إلى الأهداف المتوخاة وفي الثاني يقول إن المالكي يبذل جهده وأنه يتعاطف معه ويدعمه .
المالكي رد بعنف من دمشق معتقدا أن تصريحات بوش الاولى ناجمة عن عدم رضاه على زيارته إلى عاصمة الامويين والاتفاقات التي عقدها هناك ومعلنا أن بمقدوره البحث عن اصدقاء جدد معتمدا على ما سمعه من المسؤولين السوريين لكن المؤكد أن عقد الامال على تطبيق أي من تلك الاتفاقات يعتمد على توفر الإرداة السياسية السورية لتطبيقها والاهم من كل ذلك هو التغلّب على المشكلة الامنية الناجمة عن استمرار تسلل المقاتلين المناوئين للحكومة العراقية وعمليتها السياسية عبر الأراضي السورية ودخولهم إلى العراق لتفجير أنفسهم أو سياراتهم في أوساط المدنيين من العراقيين الابرياء.
وإذا كانت الدوائر المحيطة بالمالكي تعتقد أن زيارته إلى سوريا حققت نجاحا باهرا وأن ذلك لن يمنع استمرارالدعم الأمريكي لها , فان على هؤلاء أن يتذكروا جيدا زيارته السابقة لطهران , وهي الموصوفة بالنجاح ايضا , وأن يتفهموا أن الزيارتين كانتا لعاصمتين مناوئتين لسياسات واشنطن , وأن من عدم الفطنة الاعتقاد أن الادارة الاميركية سترضى عنهما , خاصة وأن الكثيرين يؤمنون بأن سياسات إيران وسوريه تهدف بالدرجة الاولى إلى تحقيق مصالحهما بغض النظرعن الحاكم سعيدا في المنطقة الخضراء. وذلك اعتمادا على مواقف البلدين منذ سقوط نظام صدام حسين .
الواضح انه من الناحية النظرية سيبدو صحيحا تماما القول إن مسالة استبدال المالكي بغيره هي قضية سياسية عراقية أولا ومرهونة بإرادة الكتل البرلمانية المختلفة المشاركة بالحكومة والعملية السياسية وأن من حق رئيس وزراء العراق – نظريا – سلوك السياسات التي يراها مناسبة وإلى حد الاعلان عن القدرة على إيجاد أصدقاء آخرين في أماكن أخرى , غير انه يبدو شديد الاهمية ملاحظة ما أعلنه رئيس ديوان رئاسة الجمهورية العراقية نصير العاني إن المجلس السياسي للأمن الوطني وجه انتقادات للمالكي بسبب ما وصفه بالأداء غير المرضي للحكومة في المجالين الأمني والخدمي، وإن هذا المجلس دعا الحكومة إلى إيجاد معالجات سريعة للأوضاع في العراق، لافتا إلى أنه أي المجلس يشاطر الرئيس بوش انتقاده لأداء الحكومة ، فهل يعني ذلك ان على المالكي التيقن من اوضاعه الداخلية قبل ان يلجأ إلى هكذا تصريحات , تصدر عن رجل دولة يعرف ان بلده ما زالت محتلة من الاميركيين وان العملية السياسية التي أمنت له مقعده الرئاسي تمت بإرادة اميركية أولا وثانيا وعاشرا.
.hmubaydeen@yahoo