يلكوميديا الفكرية السياسة : "المشروع الأردوغاني البائد " !
ياسر ابوهلاله
06-08-2011 04:15 PM
أعداء النظام الاستبدادي الطائفي الدموي في سورية حشدوا آلافا أمام سفارة النظام، ومقابلهم تجمعت حفنة لا تصل لعشرين مارسوا تشبيحهم على أرض الأردن برجم الناس، ولو كانوا في سورية لما ترددوا في إطلاق الرصاص. ورغم وجود لجنة شعبية مناصرة لنظام بشار، فلا نشاهد لها غير بيانات، ولا نعلم مدى صلتها بأعمال التشبيح في النقابات أولا وأمام السفارة ثانيا. لكن لم نر لها فعالية جماهيرية تظهر مدى اقتناع الشعب الأردني بطروحاتها.
وإن كان أنصار الشعب السوري المناوئين للجزار بشار يمتدون من الإسلاميين إلى القوميين والشيوعيين والمستقلين، فإن فهم بيان اللجنة الداعمة للنظام السوري يندرج في إطار الكوميديا والغرائب، فكرا وسياسة. نفهم أن يتباهى الإسلاميون بتجربة أردوغان، لكن أن يحسب عليها كل هذا الطيف فذلك من باب الطرافة. هاشم غرايبة ومحمد المصري وجميل النمري وغيرهم ليسوا ذوي صلة بالإسلام السياسي، فكيف يصنفون "أتباعا" لنظام أردوغان "البائد"؟!
على ما يعرف الناس، فإن أردوغان ليس بائدا، وتعيش تركيا ازدهارا اقتصاديا وسياسيا غير مسبوق في تاريخها الحديث. وبحسب ما شاهد الناس-باستثناء من وقعوا على البيان- فإن أردوغان فاز في الانتخابات فوزا مؤزرا، وبعدها انقاد له العسكر واستقال أركانهم. وحسب ما أوردت صحيفة "يديعوت أحرونوت"، فإن المسؤولين الإسرائيليين "يتابعون بقلق بالغ" مسألةَ استقالة قادة الجيش التركي، ونقلت عن مسؤول قوله: "هذه الخطوة تصبّ في مصلحة المتطرفين الإسلاميين وأردوغان. الأمر مقلق، إذ يعني سقوط آخر حصن ضد الإسلام".
اللجنة تنكر دماء حمزة الخطيب ونحو خمسة آلاف استشهدوا في مواجهة الجيش السوري الباسل وأجهزة الأمن والشبيحة. وكل ما يصور على مدار الساعة هو محض خدع سينمائية؛ فهوليود توقفت عن الإنتاج هذا العام وتفرغت للخدع السينمائية التي تشوه صور النظام المقاوم الحنون على شعبه. وهوليود ذاتها وما تفرع من تلك العصابة الصهيونية من "فيسبوك" و"يو تيوب" وكاميرات سوني هي من يروج أن أردوغان ليس بائدا. لقد باد وانتهى بحسب اللجنة.
في الكوميديا السوداء موقف من كل الربيع العربي، ففي أول بيان للجنة: "إن ما يجري في أمتنا اليوم ليس مشروع تغيير ديمقراطي، ولا ثورة شعبية، بل هجمة إمبريالية شرسة على الأمة والمقاومة وكل من يمتلك الإرادة لقول "لا" للإمبريالية، أي على كل الدول والحركات المستقلة عن الهيمنة الإمبريالية. وبالتالي، فإن مهمتنا الأولى في هذه اللحظة هي أن نقول لا للتدخل الإمبريالي وأدواته، وأن نقف في وجهه بكل ما نملك، وبعد ذلك فإن لكل حادث حديث". ولم نكن نعرف أن بن علي ومبارك من قادة المقاومة للإمبريالية، والمطلوب اليوم من سرايا المقاومة اختطاف مسؤولين مصريين لفك أسر المناضل حسني مبارك، أو تنفيذ عمليات استشهادية لتحريره.
وفي البيان الأخير يتحدثون عن سورية الدولة في مواجهة سورية المفككة، وكأن نظام البعث لم يفكك سورية طائفيا ومناطقيا! النظام اليوم يقدم نفسه حامي الأقليات، ويلعب بوقاحة على الورقة الطائفية ويحشد لها من إيران إلى العراق ولبنان. في المقابل، تصر المعارضة على السلمية والوحدة الوطنية.
إن التحدي هو إعادة بناء سورية موحدة بعد عقود من التفكيك. والنظام بعد أن سيطر طائفيا على الجيش والأجهزة الأمنية لم يترك مؤسسة، بما فيها جامعة دمشق، ولم ينظفها لصالح الطائفة الحاكمة. والسوريون يدركون تماما من هو الطائفي المستند إلى الطائفية سلاحا قذرا للهيمنة. يقولون: "وعليه نعلن موقفنا الواضح والحاسم في هذه المعركة المصيرية بأننا نقف مع سورية الدولة في مواجهة مشروع سورية المفككة وسورية الحرب الاهلية التي يسعى إليها الإرهابيون الجدد عملاء الإمبريالية الأميركية والمشروع الأردوغاني البائد، وعلى ثقة بأن سورية تملك القوة والحق المشروع لقطع يد هذا الارهاب واجتثاثه من أرض الحضارة والتاريخ". إن تحدي ما بعد الأسد ليس بناء سورية الوحدة على أساس المواطنة، بل بناء العروبة التي تعرضت لهزات بفعل أنظمة الاستبداد. أي عروبة يقدمها نظام البعث أو نظام القذافي؟ إن العروبة هوية حضارية جامعة كما قال أحد شعراء النهضة العربية "إن العروبة لفظ إن نطقت به فالشرق والضاد والإسلام معناه"، وفي الربيع العربي برز كم هي حاضرة ومؤثرة. فالثورة الإسلامية في إيران لم يكن لها فعل الربيع العربي، وانتصار ثورة الشعب الأندونيسي على نظام الطاغية العام 1997 لم يحدث تفاعلا يذكر.
والهوية العربية الحضارية تتكامل مع الإسلام ثقافة وحضارة، وليست نقيضا له. هنا يأتي دور تركيا، ودور إيران. وإن كان دور إيران سلبيا في ما يجري في سورية، فذلك لا يضعها في خانة الأعداء. أما تركيا فهي سند لقضايانا، ويؤمل أن تتحرك بفاعلية أكبر لإنقاذ الشعب السوري الذي يتعرض لإرهاب منهجي على مدار الساعة. وأتباع نظام دمشق لا يعرفون الجهد الذي بذلته تركيا للمصالحة في سورية. وفي عهد أردوغان تحولت تركيا من عدو لسورية إلى سند. وليرجعوا إلى تصريحات بشار عن أردوغان.
لتركيا مصالح وللغرب مصالح، لكن أمام شلال الدم لا يمكن الحديث عن مصالح. موقف أخلاقي صارم، دولا وشعوبا. ومن يقف مع نظام قتل من شعبه أكثر مما قتل الإسرائيليون في تموز (يونيو) 2006 وحرب غزة لا يمكن اللقاء معه. من أفضل منجزات الثورة السورية أنها فرزت المعارضة على أساس الموقف من الحرية، فلا لقاء بين من يناصر نظاما دمويا ومن يقف ضده. أول مفاصلة كانت في تيار 24 آذار، والمطلوب من أحزاب المعارضة أن تحدد موقفها على هذه القاعدة: من مع نظام بشار ومن ضده. ولنر مع من يقف الشارع. وقد حملت جبهة العمل الإسلامي تلك الأحزاب العاجزة عن تنظيم مظاهرة منفردة ردحا من الزمن. وهي اليوم عبء عليها لا أكثر.