الدبلوماسية الشعبية الأردنية والأزمة السورية
د. باسم الطويسي
06-08-2011 04:37 AM
نمت الدبلوماسية الشعبية الأردنية خلال آخر عقدين مع الانفتاح السياسي النسبي الذي شهدته البلاد، ومارست أدوارا مهمة في أزمات متعددة، وأسهمت بطرق مباشرة وغير مباشرة في خدمة المصالح العامة، كما حدث طوال تحولات الأزمة والحصار والحرب على العراق. ولكنها لم تشهد استقطابا حادا حول أي قضية خارجية كما تشهده اليوم حيال الأزمة السورية الراهنة.
منذ أحداث درعا، بدا واضحا الاصطفاف السياسي المحلي وسط النخب السياسية والثقافية، وتشكل ظاهريا على خطوط الانقسام والتماس الأيديولوجي التقليدي بين أنصار النظام السوري وبقايا أتباع الأيديولوجيات اليسارية والاتجاهات القومية من جهة، وتحالف آخر التقت مصالحه على المنعطف السوري من أتباع جماعات الإخوان المسلمين وقوى ليبرالية ودعاة الديمقراطية وأنصار الربيع العربي، حيث تصاعدت التعبيرات والممارسات العملية، من تشكيل لجنة لمناصرة سورية من مؤيدي النظام قامت بزيارة تضامنية قبل أسابيع لدمشق وتنوي القيام بزيارة أخرى يوم الاثنين المقبل وترفع شعارات ضد تفتيت الدولة السورية، إلى اللجنة الأخرى التي تشكلت من الطيف الآخر تحت عنوان مناصرة الشعب، ومارست أنشطة منددة بالقمع الذي يتعرض له الشعب السوري أمام السفارة السورية في عمان.
وعمليا، يمكن إضافة دائرة ثالثة ربما هي الأوسع، تتشكل من تيار عريض ممن يرون أن انقسام النخب الأردنية السابق لا يعدو أكثر من انقسام أيديولوجي صرف وليس سياسيا، ولا يحسب مصالح الشعب السوري بشكل دقيق ولا ثمن القمع الذي يواجهه من جهة وثمن الاستقرار الذي يضحي به من جهة أخرى. وبالتالي، فهم يرون أن الانقسام السابق لا يقدر بشكل واقعي المصالح الأردنية والقلق من رائحة الدم والدخان التي أخذت تتسلل بقوة من الحدود الشمالية.
المتابع يجد من المبررات ما يكفي لدى كل طرف لتسويغ موقفه، بينما تزداد مساحة الغموض والإرباك والحذر وسط الدائرة الثالثة التي تقترب من الموقف الرسمي الذي ما يزال أكثر حذرا، والذي حاول خلال الأسابيع الأولى من الوقائع السورية النأي بنفسه بعيدا عن الاتهامات التي ترددت من جهات سورية حول عمليات تسلل ودعم تتم من الحدود الأردنية مرة، وأخرى عن دعم شعبي وتحديدا من المناطق الحدودية التي تربطها علاقات جوار وأواصر اجتماعية تاريخية.
الإدراك الرسمي للأزمة السورية ينمو ببطء وحذر. ورغم الدبلوماسية الرسمية التي سلكت طريق تطمين النظام السوري، نلاحظ كيف تحولت بعض مفردات الخطاب الإعلامي الرسمي في تغطية أحداث الأسابيع الاخيرة مع ازدياد القمع الرسمي وبلوغه درجة من الإفراط في استخدام القوة، نحو وصف الوقائع بمسمياتها التي تبدو قاسية على مسامع النظام في دمشق.
الرهان في تطور موقف الدبلوماسية الشعبية الأردنية لا يرتبط بأداء التيارين المؤيد والمعارض، بل يرتبط بالكتلة الصامتة. وعمليا، تكاد تتفق تيارات واسعة من النخب السياسية والثقافية الأردنية في انحيازها للخيار الديمقراطي السوري، إذا ما أخذ بعين الاعتبار وجود ذكريات ليست سارة في خبرات الأردنيين مع النظام السوري. ومنطقيا، فإن وجود نظام ديمقراطي على الحدود الشمالية سيكون على المدى البعيد لصالح مسار الإصلاح والديمقراطية الأردنية، انطلاقا من أن صفا من الديمقراطيات المتلاصقة أكثر ضمانة للاستقرار والتنمية.
في المقابل، يبقى لهذه الكتلة الواسعة قلقها الفعلي الذي يزيدها صمتا، مع ازدياد نذر التدخل الخارجي، واحتمال موجات من اللاجئين، ووصمة شبح النموذج الليبي، ما يقود للدعوة إلى البحث عن مسار جديد ربما أحد عناوينه.. دبلوماسية شعبية جديدة.
(الغد)