facebook
twitter
Youtube
Ammon on Apple Store
Ammon on Play Store
مواعيد الطيران
مواعيد الصلاة
rss
  • اخر التحديثات
  • الأكثر مشاهدة




شيء من ذاكرة المكان في مدينة معان .. السوق القديم


24-08-2007 03:00 AM

عمون - صالح ابو طويلة - في أواسط السبعينيات من القرن الماضي اعتدت أن اذهب كل يوم مع اخوتي إلى سوق معان القديم إذ أن جدي لأبي كان يمتلك دكانا كبيرا يبيع فيه مختلف أنواع السلع ومنها العطارة التي يختص بها هذا السوق العريق ثم بعدها اعرج إلى حانوت عمي أطلب منه مصروفي اليومي , كنا نصطف طابورا انا واخوتي وابناء عمومتي وكنا نتجاوز العشرة أمام دكان جدي لأجل يعطينا مصروفنا اليومي فكنت أتقاضى من جدي رحمه الله نصف قرش ومن عمي قرشا واحدا أما من يكبرونني فيتقاضون اكثر , ثم لما كبرنا قليلا أصبحنا نعمل أحيانا في هذا السوق مقابل أجور زهيدة.السوق القديم له طابع خاص يقفز بك إلى الماضي بعبقه السحري حيث روائح البخور والتبغ ومواد العطارة والأعلاف رائحة الحوانيت القديمة التي تعج بشتى الذكريات ورواده البدو والفلاحون ...
ادخل إلى دكان جدي وقد كنت صغيرا فأجد البضاعة المتنوعة كلها تتعلق باحتياجات البدو والفلاحين بالدرجة الاولى فالقطران والعطارة والأعشاب البرية والعطارة والاقمشة الملونة وحذوات الخيول ومستلزمات الخيول وعددها والأوزان الشامية العتيقة والمكاييل القديمة كالصاع وغيرها... وعتاد البنادق القديمة والسمن والألبان والصوف والشعر وكل ما تنتجه البادية والقرى المحيطة تجدها في ذلك الحانوت ... اشياء اجهل مسمياتها

أحاول أن اعتصر الذاكرة أحصل على اقدم اللقطات في تلك الأزقة والحوانيت المليئة بغرائب الأشياء حتى البدو الذين يرتادون تلك الحوانيت ويمكثون من الصباح الى المساء يشربون الشاي الساخن بعد ان يتم إعداده على الوابور و يدخنون التبغ المحلي وينفثون سحابات دخانية كثيفة يطفئون به لوعتهم ويمتعون به أمزجتهم الحادة ليتناسوا عناء الطريق ومشقتها وفي ركن من اركان ذاك المكان كانت ترتكز دلال رسلان النحاسية وبعض الدلال البغدادية التي تطبخ فيها القهوة لاجل الضيوف والزبائن واولئك الزبائن ليسوا كحالنا هذه الايام اذ انهم يطيلون المكث ويتداولون الحديث , اللهجة صعبة والألفاظ سريعة ومخارج النطق لديهم تحيل الألفاظ طلاسم بالنسبة لي .. كنت أحاول التركيز لكي انجح في فهم ما يتداولونه من كلام وعبارات الا أنني اعجز واكتفي بإدمان النظر إليهم والى هيئاتهم وأسمالهم البالية اولئك العرب المدوخون من حر الصحراء يشعرون بنكهة خاصة عند تناول القهوة وتدخين التبغ تتبعها ابتسامات غامضة حلوة تبسم تفتر عن أسنان لؤلؤية ناصعة البياض على الرغم من تلك الوجوه السمراء التي لوحتها الشمس الشمس وظروف الصحراء اكثر ما يمتعني هو صمت البدو عند التدخين وتأملهم ... فالقهوة والتبغ والشاي لها طقوس خاصة ومقدسة لديهم..

الحالة مزيج من القصص الغريبة والأساطير والعتق وأحاديث عن التنقل والسفر من منطقة الى منطقة واحوال المواسم والامطار والربيع والمحل والابل والمواشي والصيد والنزاعات والمناكفات والغرائب...

احيانا يرتاد السوق بعض اهل البادية الموغلين في البداوة والذين لم يحتكوا كثيرا بالحضر فيأتون بأطفالهم حفاة يرتدون أسمالا باليه وكوفيات مهترئة بدون عقال على رؤوسهم ... استغرب جدا من ان اطفال البدو كانوا يتعاطون التدخين خلافا لابناء المدينة الذين يعتبرون التدخين عيبا في صغر السن لكن البدو لهم فلسفة تختلف عن اهالي المدن فهم يمنحون ابناءهم كامل الحرية في كثير من السلوكيات ويلبون طلباتهم بسرعة ايا كانت فيبتاعون لهم الدخان والحلقوم وكل ما يطلبون فهؤلاء الاطفال البدو يتمتعون بحرية كبيرة في الحديث والسلوك فلا احد يتدخل بهم او يحاول الانكار عليهم كما هو الحال عند الحضر,, البدو يشترون مستلزماتهم الى اجل مسمى هو الموسم القادم حين يحل وقت السداد وقضاء الديون.

حتى يومنا هذا احافظ على زيارة تلك الامكنة القديمة التي ازيل معظمها ولم يبق الا بعض الاطلال التي تحمل في طياتها ذكريات حنونة تمتد الى سنين طويلات

لعل النشاط التجاري هو اهم ما يميز مدينة معان منذ قرون خلت يليه النشاط الزراعي ,يمتد هذا السوق القديم العريق من قلعة السرايا العثمانية الى الشمال بطول كيلومتر واحد يتوزع على جانبيه الحوانيت والبقالات الصغيرة والمقاهي كما تتفرع منه الأزقة التي تؤدي الى مناطق سكنية او ازقة بحوانيت تجارية ايضا
بنيت تلك الحوانيت من الطين فيما مضى بواجهات حجرية احيانا واحيانا اخرى بدون واجهات حجرية بل يكتفى باللبن المجفف وهو المادة التي توفرها الطبيعة في معان وحيث تتراتب على جانبي الشارع الممتد تلك الحوانيت العتيقة بأحجارها الجميلة التي تحمل ذكريات حميمية حيث بوابات الحوانيت تعلوها الأقواس الحجرية تارة وتارة أخرى تخلو منها.

تأسس هذا السوق اواخر القرن التاسع عشر واضيفت اليه الكثير من البنايات عام 1921في فترة الإمارة الهاشمية الشارع ممتد مرصوف بالحجارة المصقولة يمتد من الجنوب الى الشمال اطلق عليه عدة مسميات منها السوق القديم او سوق معان او سوق البدو او سوق عقيل نسبة الى قبائل عقيل التي كانت ترتاد هذا السوق وتقيم فيه اسابيع تمهيدا لمتابعة مسيرها نحو بلاد الشام لتبيع اصوافها والبانها
البدو هم المرتادون الرئيسيون لهذا السوق منذ القديم وحتى يومنا هذا , كانت المجموعات البدوية ترتاد هذا السوق وتجري المعاملات التجارية من بيع وشراء وتبادل سلعي بسيط ومقايضات وشتى صنوف النشاطات الاقتصادية الاولية البدائية البدو يجلبون الصوف والشعر والالبان والماشية والابل لبيعها ويبتاعون البن والتبغ والسلاح والاقمشة والتمور ومستلزماتهم المعيشية لهم ولدوابهم وابلهم من شعير واعلاف وغيرها
يستجم هؤلاء الاعراب في تلك الواحة فيريحيون ابلهم في مناخاتها لأسابيع فيحبسونها أحيان كثيرة في زرائب كبيرة كانت معدة لهذا الغرض يعدها التجار الكبار في معان لزبائنهم البدو الدائمين ,, يشربون القهوة بعد نزولهم ويدخنون التبغ ويتبادلون الأحاديث المختلفة أخبار المواسم والتنقلات في عرض الصحراء وقضاياهم الاجتماعية المختلفة يمتارون بعدها ويشترون ما يحتاجونه ثم ليقوموا بتسديد أثمانها في العام القادم ....
لكل مجموعة من البدو عميلا أي تاجرا يتعاملون معه وقد يعقد بعض البدو الأثرياء صفقات تجارية كالمضاربة بينهم وبين تجار معان فمثلا كان الشيخ محمد الدحيلان ابو تايه احد شيوخ قبيلة الحويطات يعقد مثل هذه الصفقات بينه وبين تجار معان الذين يتاجرون ويتنقلون بين فلسطين والشام ومصر .

قبل انتشار الحوانيت كان أهالي معان يضعون بضائعهم في منازلهم الكبيرة ويخزنونها وأحيانا يسمونها خزين ... ثم بانتشار الحوانيت استقل كل تاجر بحانوت او اكثر وقد اشتهرت بعض العائلات بالتجارة منذ اواخر القرن التاسع عشر منها اسرة آل شموط وهي اسرة شامية الاصل عريقة في التجارة والنسب فاحمد شموط ومحمد شموط وآخرون واسر أخرى كانت تحترف التجارة كآل ابو صالح او عشيرة الصوالحة ومنهم تجار آخرون الحاج علي ابو طويله وعيد ابو طويلة وهؤلاء كانوا في عمارة الارناؤوط وهي عمارة حجرية بناها الأرمن أثناء نزوحهم الى جنوب الاردن عام 1915 ومن اشهر التجار الذين كانوا في هذا السوق قديما من اهالي معان الصلاحات أو آل صلاح وهؤلاء كانوا قديما من كبار التجار ومن التجار أيضا قاسم كريشان وسليمان القنو وبعض الشوام ابو عربي جميل ابو صياح الشامي والاصفر ,, وافراد من آل ماضي ياسين وآل الكباريتي من العقبة وهؤلاء كانوا يجلبون الأسماك من العقبة ليبيعوها في معان ومن الحجازيين صاحب المقهى درويش المكاوي واحمد منديلي وبعض القصابين.

كانت المقاهي تنتشر في نواحي هذا السوق فالمقاهي الشعبية كمقهى واستراحة درويش مكاوي ومقهى عيسى سمندر وهذه المقهى كانت الاراجيل والقهوة والمشروبات التي يتعاطاها كبار القوم في معان والمسافرين أيضا...فهذا المقهى يدنو من القلعة ويقرب من مسجد علي العقايلة الذي أسس عام 1863م وهو مسجد من الطين بمأذنة طينية مرتفعة دمر في الطوفان عام 1966م ... أيضا تنتشر القهاوي التي أنشأها الناس هناك للتعاليل والسمر واكرام الضيف ومنها قهوة محمود بن مصطفى كريشان وقهوة ابو مرعي دويرج وقهوة حامد الشراري وقهوة التلهوني وديوان عودة ابو تايه وديوان ومنزل محمد بن الدحيلان وديوان محمد ابو ظهير فهذه القهاوي تلاصق السوق أما باقي المضافات فتقع في قلب المدينة القديمة مثل ديوان الخوالدة بباب القناطر وقهوة ابن حامد الخطيب ديوان ابوعودة البيك بجانب القلعة وقهوة وديوان محمود حسن الحاج حسين وقهوة ابن مطر والنسعة وغيرها في منطقة الشامية ....

يلتصق مقام الشيخ عبدالله بالسوق مباشرة من الجهة الشرقية وهذا القبر من قبور الأولياء الصالحين الذين يتبرك بهم ويتقرب اليهم السكان قديما في معان وهي ثلاثة قبور في معان هذا منها والثاني هو في قلب الواحة وهو قبر الشيخ محمد و الآخر هي صخرة أم جديع في الشامية وهذه الأماكن كانت تقام بالقرب منهم الطقوس التعبدية أثناء حفلات الختان وغيرها كإيقاد الشموع وتعليق قطع القماش الأخضر وتلطيخ الجدران بالحناء وإيقاد البخور ومقام الشيخ محمد بناء طيني مربع في داخله قنطرة كبيرة وبضعة قبور وهو قبر لأحد أمراء الحج التركي المدفون في أواسط القرن التاسع عشر وحوله مجموعة من القبور التي كان السكان يدفنون للتبرك به وقد شهدت في صغري أحد هذه الاحتفالات في هذا المقام في السبعينيات من القرن الماضي حيث تمت زيارة الأضرحة تبركا وطلبا للتوفيق ووزعت الحلوى أوقد البخور والشموع في داخل هذا المقام كما هي معتقدات العوام آنذاك ....

كما تتداخل زاوية الشيخ الدباغ المدني الصوفي في الجهة الغربية من السوق كما يقارب السوق المحكمة الشرعية القديمة , وبناء بلدية معان القديمة الذي أسس سنة 1921م وهو موجود في أحد أزقة هذا السوق القديم وهو ماثل وبحالة لا بأس بها الى الآن وهو بناء جميل من الداخل.

بعض الحرفيين الصغار كانوا يتوزعون في ازقة هذا السوق والذين يقدمون الخدمة للناس والبدو خاصة في الجهة الجنوبية من السوق وبالقرب من مقهى درويش مكاوي يقع بئر السبيل الذي يرتوي منه المارة والمسافرين كما يقع بئر آخر خلف ذلك المقهى وهو بئر عام أيضا.

تنبيء الحوانيت المهجورة بالتقلبات الاقتصادية والاجتماعية التي كانت تطيح بأولاء التجار في ذلك الزمن الغابر وتنبئ أيضا بسيرهم وحوادثهم فالسوق هو بمثابة التجمع العام لعناصر المجتمع ... التجار والحمالون والقصابون والحرفيون وكبار السن المعطلون عن العمل و أهل البادية بإبلهم ومواشيهم ومنتوجاتهم واحيانا الحجاج الموسميون من مغاربة ومصريين وشوام وأتراك وغيرهم وأيضا يأتي الفلاحون من وادي موسى وقراها والنقب على بغالهم وحميرهم يحملون الفواكه وباقي منتوجاتهم البسيطة ليبيعوها في ذلك السوق....
ايضا السوق يحوي في جعبته ذاكرة اليمة للمنازعات والثارات وتصفية الحسابات التي تتم عندما يلتقي البدو بأهل الحضر والفلاحين والمهاجرين إذ السوق هو الملتقى لمثل تلك المنازعات والمشاجرات والمناكفات والثارات وكم من حالات الأخذ بالثأر تمت في هذا السوق قديما وقد يعتدي بعض السراق والشطار على المواشي والإبل الرابضة في نواحي السوق في غفلة أصحابها ليذبحوها ويتقاسموها قيما بينهم ثم ليقتاتوا عليها .





  • لا يوجد تعليقات

تنويه
تتم مراجعة كافة التعليقات ،وتنشر في حال الموافقة عليها فقط.
ويحتفظ موقع وكالة عمون الاخبارية بحق حذف أي تعليق في أي وقت ،ولأي سبب كان،ولن ينشر أي تعليق يتضمن اساءة أوخروجا عن الموضوع المطروح ،او ان يتضمن اسماء اية شخصيات او يتناول اثارة للنعرات الطائفية والمذهبية او العنصرية آملين التقيد بمستوى راقي بالتعليقات حيث انها تعبر عن مدى تقدم وثقافة زوار موقع وكالة عمون الاخبارية علما ان التعليقات تعبر عن أصحابها فقط .
الاسم : *
البريد الالكتروني :
اظهار البريد الالكتروني
التعليق : *
بقي لك 500 حرف
رمز التحقق : تحديث الرمز
أكتب الرمز :