شهدت عملية الاصلاح الاقتصادي في الاردن خلال السنوات القليلة الماضية ضربة موجعة ادت الى تأخير الانجاز التنموي ما انعكس سلبا على صورة المملكة في التقارير الدولية التي اشار معظمها الى تراجع حاد في معظم مؤشرات التنمية المحلية.
لقد فشلت السياسة الحكومية في الحفاظ على الزخم الاصلاحي الذي دفع جلالة الملك بقوة الى تحقيقه وصولا الى مفهوم التنمية المستدامة, وكانت هذه النتيجة متوقعة بسبب طبيعة التعامل الحكومي مع تلك الاصلاحات التي شكلت قيودا واضحة على استمراريته.
فجزء كبير من عملية الاصلاح الاقتصادي الذي اتبع في الآونة الاخيرة كان بمثابة عملية انتقائية هدفها مواجهة بعض الضغوطات المطالبة بالاصلاح السياسي والاجتماعي, لذلك نجد ان الحكومة وفي هذا الصدد على سبيل المثال خصخصت العديد من المنشآت الاقتصادية الكبرى من دون ان يكون لها استراتيجية واضحة في كيفية التعامل مع عوائد التخاصية, اضافة الى ان الاشخاص الذين ينفذون سياسات الاصلاح باتوا غير مؤثرين او مقنعين لدى الشريحة الاوسع في المجتمع الذي ينظر اليهم على انهم مختصون فقط في اتخاذ القرارات القاسية المتعلق معظمها بزيادة الاسعار.
عملية الاصلاح في المملكة افتقدت الى الاجماع او المشاركة الحقيقية من مؤسسات الدولة خاصة الدستورية منها, وقد نظر المجتمع الى تلك الاصلاحات على اعتبار انها اجندات خاصة بطبقة نخبوية في المجتمع باتت هي المشرع والمنفذ الخفي للسياسات الاقتصادية تخفي وراءها حزمة كبيرة من المصالح الخاصة التي تسعى الى تحقيقها, كما حصل في موضوع الاجندة الوطنية الذي ساهمت آلية اخراجها بفشلها رغم ما تضمنته من رؤية تنموية تكاد تكون الاكثر وضوحا لما نريد ان نحققه خلال السنوات العشر المقبلة.
الا ان العقبة الرئيسية التي ساهمت في فشل الحفاظ على زخم الاصلاح هي فقدان الحكومة ومؤسساتها آلية واضحة لتقويم تلك البرامج التنموية وتعزيز مبدأ المساءلة في حال الاخفاق, لذا باتت هذه البرامج كمن يفعل ما يريد من دون حسيب او رقيب, ما اضعف مصداقية تلك البرامج لدى الشارع العام, لا بل سمح ذلك الاسلوب في طرح البرامج الى ان تكون مادة خصبة للصالونات السياسية التي سرعان ما كانت تطلق الاشاعات حول تلك البرامج.
الحكومة بأمس الحاجة الى فتح قنوات اتصال مع فعاليات المجتمع ومؤسساته النقابية والحزبية والجمعيات الاقتصادية بطريقة عصرية والخروج من النمط التقليدي في التعامل مع تلك الهيئات التي يقودها في العادة رجال الحكومة لا اشخاصا مستقلين او منتخبين, فتوفير مثل هذه الشبكة سيعمق فهم المجتمع لاسباب الاصلاح بما يساهم في توسيع قاعدة تحمل المسؤولية التنموية تجاه مسيرة الاصلاح.
صحيح ان جلالة الملك وضع الاصلاح الاقتصادي على رأس اولوياته بيد ان قدرة الحكومة على المحافظة على الاصلاح تفتقد الى الآلية الفاعلة في ذلك, فهي غير قادرة على ايجاد برنامج اصلاحي متكامل وواضح, اضافة الى انسياقها (الحكومة) في كثير من الاحيان وراء النخب المستفيدة من الوضع الراهن والمعارضة للاصلاح اساسا, واخيرا فان الواقع العملي يؤكد فشل معظم البرامج والسياسات الاقتصادية على صعيد معالجة القضايا الاجتماعية المزمنة في المجتمع.0
salamah.darawi@gmail.com
العرب اليوم