العين الدكتور نبيل الشريف يكتب: مآدب رمضان
د.نبيل الشريف
01-08-2011 05:24 AM
أقبل شهر الخير والبركة ، وأقبلت معه المآدب االعامرة والعادات الإستهلاكية الغريبة التي حولت رمضان من شهر زهد وعبادة وتقرب الى الله الى شهر يتبارى فيه الطهاة في في إعداد مختلف ألوان الطعام وتقديم ما لذ وطاب للأفواه المتأهبة لإلتهام الأخضر واليابس .
أما الاسواق فهي تشهد تنافسا محموما على شراء كل مايمكن أكله وبكميات تزيد عن حاجة المتسوقين بكثير، بل إن بعضهم يتمنى لو أن بإستطاعته نقل السوق بكل ماتحويه الى مطابخهم !
أما الطامة الكبرى فهي أن معظم مايتم شراؤه وإعداده في المطاعم ومطابخ البيوت ينتهي في صناديق القمامة ، حيث تفيض الاكياس المخصصة لجمع النفايات عن طاقتها الإستيعابية وتتناثر محتوياتها خارج الحاويات لتشكل مرتعا خصبا للقطط الضالة في الشوارع .
لقد كانت هذه الممارسات الاستهلاكية الغريبة والدخيلة على جوهرالشهر الفضيل والتي تتنافى وتتعارض مع قيمه الحقيقية موضع إستهجان وإستنكار الكثيرين على الدوام ، ولكنها كانت مقبولة أو على الاقل مسكوتا عنها في الأعوام الماضية .
أما هذا العام ، وفي ظل الظروف الإقتصادية الصعبة التي يمر بها بلدنا والمنطقة والعالم باسره فإن إستمرار هذه المظاهر الترفية الإستهلاكية وبنفس وتيرة الاعوام الماضية يرقى الى مرتبة خطيرة من إنعدام الإحساس وإنتفاء الحد الأدنى من الشعور الإنساني القويم .
إن الظروف غير العادية تستدعي على الدوام إجراءات ومواقف غير عادية، فقد أوقف الخليفة العادل عمر بن الخطاب حد قطع يد السرقة المنزل في القرآن الكريم في عام الرمادة بسبب القحط والجوع . فهل ننتظر موقفا حاسما من رجال الفقه يضع حدا لهذا الاسراف والتنافس الإستهلاكي البغيض الذي طالما إقترن ظلما بالشهر الفضيل وهو لايتناسب مع الصعوبات التي نواجهها هذا العام ؟
لن نذكر المتبارين على إعداد أطايب الطعام في الشهر الفضيل بمآسي الجوعى في أفريقيا الذين يهجرون ديارهم بالملايين الآن بحثا عن كسرة خبز يسدون بها رمقهم ، وهو ما جعل الأمم المتحدة تصدر النداءات المتتالية لمساعدة الجوعى والمشردين في القارة السمراء المنكوبة .
ولن نذكر المتنافسين على الشراء في الاسواق بمأساة الاهل في فلسطين والعراق جراء الإحتلال وماجلبه على هذين البلدين العزيزين الجارين من صنوف المعاناة ، ولا بالجراح النازفة المفتوحة على كل إحتمال في اليمن ولبييا وغيرهما لالشيىء الإ لأن إخوتنا هناك قرروا المطالبة بحقوقهم في الحرية والكرامة في هذا الربيع العربي الذي إستعصى على التمام والإنجاز .
فقط نذكرهم أن بيننا هنا وفي بلدنا الصابر الطيب هذا الكثيريين ممن يمنعهم التعفف من الجهر بالشكوى . ولايحتاج المرء الى قدرات خاصة ليدرك حجم الضنك الذي تكابده أسر مستورة عديدة في مدن الأردن وبواديه وقراه ومخيماته حتى غدا أطفالنا في الأغوار الجنوبية مثلا فرائس سهلة للذئاب والضباع التي تجوب المنطقة دون رادع وبجرأة غير مسبوقة .
في هذا العام الإستثنائي ، نتلهف الى سماع رأي ديني قاطع في كراهة أو حرمة هذه الممارسات الإستهلاكية البغيضة التي إرتبطت زورا وبهتانا بشهر التقوى والعبادة والتقرب الى الله بصالح العمل ...فهل يطول إنتظارنا ؟؟