البيروقراطية وعلبة التوفي
سميح المعايطة
01-08-2011 05:09 AM
يروي موظف عمل قبل عقود في احدى الوزارات انه في بعض المناسبات الوطنية كان المسؤول يرسل كتابا الى مركز الوزارة يطلب الاذن بشراء علبة توفي لغايات استعمالها في المناسبة وكان سعرها ديناراً وربعَ الدينار وكان الجواب ياتي بالموافقة مع ضرورة ارسال العلبة الفارغة.
والحكاية ليست في ثمن علبة التوفي بل في نهج الادارة الذي يجب ان يكون قادرا على منع الفساد واغلاق الطريق على اي خطأ او اختراق للقانون والمسار الاداري السليم , وهنا نفتح الباب نحو تكريس البيروقراطية بجوانبها الايجابية والتي تشكل مسارا لضبط الامور وتشكيل حالة وقائية متينة.
والبيروقراطية التي نتحدث عنها ليست التي ارتبطت في اذهان الناس بتاخير المعاملات والكسل وتراكم الاختام والتواقيع فوق بعضها البعض دون مبرر , او تعطيل مصالح الناس , وليست الاسم الحركي للترهل والبطالة المقنعة , او افتعال دورة للورق الرسمي دون منطق , والاهم انها ليست نقيضا للتطوير الاداري واستخدام التكنولوجيا والاستفادة الحقيقية من كل علم حديث.
ما نتحدث عنها تقاليد واعراف ادارية ومسارات متكاملة لها بداية ونهاية مرتبطة بالقانون تغلق الطريق امام كل صاحب نفس ضعيفة او كل مسئول خال من الدسم الاداري والمؤسسي من ان يفعل ما يريد , اوان يجير القرار الذي بيده لمصلحة خاصة او لتمرير حالات تجاوز حتى لو كانت دوافعها تسريع العمل , لان الجدار الضعيف لايجوز ان يبقى كذلك حتى لو استغل ضعفه يوما اصحاب نوايا حسنة , فضعفه سيكون غدا لمصلحة اصحاب الهوى والنوايا الرديئة.
ما نحتاجه ليس اختراعا نبحث عنه بل هو موجود في الادارة العامة الاردنية لكن مبررات عديدة ومراحل مختلفة فتحت ابوابا لاختراق هذه الادارة واضعاف بنيانها , واحيانا كان الالتفاف على البيروقراطية الايجابية من خلال اختراع انظمة جديدة بحجة محاربة الترهل لكنها حاربت الالتزام, واحيانا تحت مبرر الاصلاح الاداري لكنها اعطت شرعية لكل من يريد ممارسة المحسوبية والفساد وتجيير العام للخاص.
وعامل هام في الحفاظ على البيروقراطية الايجابية الرادعة للفساد اغلاق الطريق امام المواصفات المتواضعة لكل من يتسلم مقاليد القرار في الوزارات والحكومات , فالشخص الذي يقفز الى الوظيفة العامة دون ادنى خبرة بالادارة العامة قد لايرغب او لايقدر على الالتزام باصولها وقد يحاربها , ولهذا فالخبرة بالادارة العامة والمواصفة الرفيعة شرط اساس لكل صاحب قرار , وحتى لو جاء شخص حديث عهد بالادارة العامة فانه يجب ان يجد امامه مؤسسية ومنظومة ادارية تمنعه من ان يكون صاحب الامر وحده يفعل ما يشاء دون رقيب او حسيب.
من يريد محاربة مؤسسية للفساد فان عليه ان يسعى لبناء حالة ادارية وسياسية تستعصي على الفاسد وضعيف النفس , ومن يقول ان الفساد الاخطر هو فساد القرار الاداري فان عليه ان يدعم بناء حالة ادارية ومسارا لاتخاذ القرار في كل مستوياته وتحديدا في المستويات الحكومية الاعلى لايمكن تجاوزه , لان محاربة الفساد ليست شعارا او شتما للفاسدين او قرارا واحدا بل مسار اداري وسياسي ومنظومة قوانين واخلاق.
sameh.almaitah@yahoo.com
(الرأي)