العزاء أولاً لأهل الفقيد حارس النادي الفيصلي، زبن الخوالدة، ولنا جميعاً، فهو خسارة لناديه وللكرة الأردنية عموماً، والحمد لله – كذلك- أنّ المشاجرة التي تسببت بدهسه ووفاته بعيدة تماماً عن أجواء "شغب الملاعب"، إنّما من "شغب الشوارع والسيارات"!
سرعة الكشف عن خلفية ما حدث خفّفت من حدّة التوتّر كثيراً، بعد أن بدأنا نقرأ تعليقات هنا وهناك تشير بإصبع الاتهام إلى جمهور نادي الوحدات، وتتوعد وتهدّد! ولك أن تتخيّل أجواء الشحن والاحتقان كم ستبلغ لو كان الاحتمال الأول هو الأرجح، أي أن يكون الأشخاص الآخرون هم من جمهور الوحدات!
حالة الخوالدة ليست استثناءً خارج سياق التوتر الذي ينجم عن أي قصة شخصية تتحول إلى موضوع عام يتحدث عنه الجميع، وربما أزمة سياسية، كما حدث في احتكاك الأمن بالمواطنين في الطفيلة، وقبلها السلط، وبينهما في أحداث الداخلية، ومسيرة العودة، وساحة النخيل، اللغة المتبادلة بين الحكومة والمعارضة تحكمها "فجوة المصداقية".. الخ.
في مشهد موازٍ، تماماً، تعاود مجموعة من الأشخاص محاولة الاعتداء على مكتب وكالة الأنباء الفرنسية في عمان، مرة جديدة، رغم إدانة الدولة سابقاً لمثل هذه الأعمال. ومع ذلك تصر هذه المجموعة على توتير الأجواء، في مواجهة حالة من العجز الحكومي الكامل عن التعامل معها.
نحن متوترون! نعم، ليس سياسياً فحسب، بل حتى اجتماعياً وثقافياً، لكن: لماذا؟!
نظرياً، يفترض أنّنا نضع أقدامنا على طريق بعيد عن أجواء الأزمات العربية، ومناخات الاحتقان والدماء والاعتقالات؛ فهنالك "روزنامة" حكومية للإصلاح، تبدأ من التعديلات الدستورية وتصل إلى انتخابات نيابية مبكرة، خلال العام المقبل.
أما اقتصادياً فقد جاء دعم مالي كبير يطفئ –على الأقل- نار العجز والمديونية، واجتماعياً الناس لم تنزل إلى الشارع، بالصورة التي حدثت بدول عربية أخرى!
التوتر الحالي يقف على درجة عالية من السخونة، ويدفع دائماً إلى الشحن والتعبئة السريعة، بغض النظر عن الأسباب التي تقف وراء ذلك، وإن كانت - بلا شك- هنالك عناوين رئيسة تفسّر ذلك بوضوح، مثل فجوة الثقة والمصداقية بين الحكومة والناس، والانطباع الشعبي بتغول الفساد، وضعف قدرة الحكومة على التعامل مع الشارع وهمومه ومشكلاته، وغياب رسالة الدولة الثقافية- الاجتماعية، التي تساعد الناس على التقاط الموقع الصحيح الذي تقف عليه الدولة والمجتمع معاً.
على النقيض من ذلك، فإنّنا نواجه أسئلة دائمة مسكونة بالشك والقلق تجاه نوايا مطبخ القرار من جهة وقدرة الدولة من جهة أخرى على إدارة المرحلة، فلا نعرف أين تقف الدولة وماذا تريد، وما هي تصوراتها الحقيقية للمرحلة المقبلة؟
"عدم وضوح في الرؤية"، مرده أنّ الرسائل التي تصل من الدولة مضطربة ومتضاربة، ومتناقضة، ومن الطابع القصير، ما يخلق "مساحة رمادية" ليس فقط بين الدولة والقوى السياسية، بل بين القوى نفسها، ما يضع المواطنين – عموماً- تحت رحمة حالة من القلق من الوضع الراهن والمقبل.
هذه "الحالة الرمادية" ربما تخدم أهدافاً قصيرة المدى، لكنها على المدى البعيد مضرة، ليس فقط بمصداقية الدولة، بل بالبنى الاجتماعية نفسها وثقافتها، وبعلاقة الدولة بالمجتمع والفرد.
دفعنا، وما نزال، كلفة كبيرة، لهذه الضبابية الرسمية، التي أوصلتنا حالياً إلى ارتفاع كبير في منسوب التوتر والقلق والاحتقان الاجتماعي، ونمو الهويات الفرعية، وقد آن أن نخرج إلى مرحلة جديدة، نحدد فيها بوضوح: إلى أين نسير، وكيف؟ بوضوح وصراحة!
(الغد)