بحث عن شرعية جديدة للبقاء
سليمان القبيلات
22-08-2007 03:00 AM
قال الامام علي كرّم الله وجهه في شأن الخوارج : دعوهم برأيهم ما لم يسفكوا دماً او يغتصبوا مالاً.
وفي الذاكرة ان "الفنون أنتجت روائع باستثناء السياسة التي أنتجت مسوخاً"، وهو قول لا أُجازف في الدفاع عن حقانيته. ففي الاول لم يذهب السلطان الى نفي الرأي او اعدامه وجودا. فيما الثاني يستدعي الاستعاذة من شرور السياسة رغم جاذبيتها وضرورتها. وفي الاتفاق المستقر فان الحرية هى الاصل والقيد هو الاستثناء رغم الغرق في جدل الاولويات، ليظهر انصار ومحازبون للقمع والقيد على اطلاقه وهم في ذلك ايديولوجيون في النفي رغم رفضهم لهذا التوصيف.
وفي الدارج اليوم يطلق الاستبداد وصفة الديمقراطية لشفاء علله التي يراكمها فيما الناس تكتفي حلما ورديا لا يصدقونه في قرائرهم.
وبوصف الحكومات تعبيرا سياسيا عن قوى سائدة ليس من مصلحتها تجذر المشاركة الشعبية في الحكم فانها لجأت عبر السنوات الى ترديد حزمة من الأسانيد "القانونية" لتقييد تطبيق الديمقراطية، وهي في ذلك تبعث الروح في مضامين استبدادها وتعزيز استحواذها.
.. لعل السمة الغالبة لقادة التيار الوسطي الجديد هي التسلطية وخدمة سياسات اسهمت في منع تجديد شباب الدولة وأساليب عملها. كما ان من الجلي ان الساعين الى بلورة هذا التيار تاسرهم نظرة ايديولوجية للمجتمع والواقع بشكله العام باعتبارهما "مادة هشة مطواعة" التشكيل والامتثال لاراداتهم في حلتها الجديدة. وهنا يبرز تساؤل لاهل "الوسط" لماذا اخفقت احزابكم في نيل ثقة ما يسمي "غالبية صامتة"، وفي الظن ان من مصلحة الاستبداد ان تبقى صامتة لا بل وخرساء. من بين ثنايا الخطاب المتخم بالالغاء تتبدى "قناعة" في ان هذا التيار الجديد سيدشن عهدا او مرحلة جديدة نوعيا تجبُّ ما قبلها، وهو بالمناسبة تمظهر مرضي ذو اصل فكري مستقر في اللاشعور العربي الجمعي. وفي ذلك يتماهى الحزبيون الاردنيون الايديولوجيون و"البرامجيون". ف"الحركة" أو "الحزب" صنم مقدس اسير انغلاق يفضي به الى بناء متخيل عنه بوصفه صراطا مستقيما يُعد الخروج عنه مساً بالمقدس وذنباً يبلغ الكفر.
ان الافتراق النوعي بين ما يسمى حزبا ايديولوجيا وآخر سياسيا يكون في ان الاول ينهض على المشاركة في الدولة مبدأً وفقها يشغل موقعه في الخريطة السياسية للسلطة التنفيذية اتكاء على نسبة ناخبيه، فيما الثاني يعتمد نفي الآخر مبدأً. اما في الحالة الاردنية فان الجميع ايديولوجيون والغائيون سواء كانوا منحدرين من احزاب عقائدية او من تلك التي جرى تفريخها في "العصر الديمقراطي" على مقاسات محددة فتلاشت او بقيت مجرد ديكورات ليس لها من الحزبية نصيب . يضاف الى ذلك يبدو الحديث عن امتداد اجتماعي لما يسمى احزاب الوسط ضربا في الوهم والخيال. وفي المنظور لن يتأتى لهذه الاحزاب سواء كانت منفردة او مجتمعة بلوغ الحزبية الناضجة المرتبطة بالناس وطبقاتهم الاجتماعية وتبني قضاياها وخوض الصراع من اجلها.
ان سبب اشهار كثير من هذه الاحزاب كان مجرد اضغاث احلام قديمة جديدة بالندية مع جماعة الاخوان المسلمين، وفي ذلك كان مقتلها وسبب تلاشيها واندثارها اذ لم يبق منها سوى اسماء دخلت بها السجلات الرسمية التي علاها غبار تبين انه القبر الذي كانت رهينته منذ اطلاقها.
واستنادا الى لوكاش الذي يرى الحزب "شكلا يتوسط النظرية والممارسة"، فضلا عن انه(الحزب) صورة مصغرة عن متخيل اجتماعي يسعى او يرنو إلى قيامه يبدو المسعى الجديد غير منفصم عن سياقه كقطرة من ماء البحر تحمل جميع خصائصه.
ثمة تساؤل عمّا اذا كان هناك نظرية ناضجة للوسط ان كان "وسطا" تعبر عن هذه المساحة الاجتماعية ؟! وما سر هذا التداعي والتدفق النشط عشية كل موسم انتخابي؟. ام ان الامر لا يعدو كونه بحثا عن مصدر جديد لشرعية البقاء!.
muleih@hotmail.com