ثمة تنافس محموم في شهر رمضان على الشاشات العربية بين الأعمال الدرامية، بخاصة بين الدول العربية المشهورة والمعروفة بهذا الإنتاج، كما هي الحال المصرية والسورية، فيما تحاول الفضائيات المختلفة أن تفرد مساحات للدراما المحلية الخاصة بها، لتقدم فنانيها وثقافتها على الأقل لجمهورها، ولنسبة محدودة من الجمهور العربي المهتم.
في الأردن؛ نحن حالة خاصة! إذ نفضّل دائماً وأد الدراما الأردنية والحكم على الفنان الأردني بالإعدام مسبقاً، ليس فقط على الشاشات العربية، بل حتى على الشاشة المحلية، التي لا تعترف بالدراما الأردنية، وتفضّل عليها الدراما العربية الأخرى، ولو حتى بمبالغ مضاعفة. لو كان مستوى الدراما الأردنية رديئاً لكان هنالك تبرير لهذا الجحود من الفضائية الأردنية، لكن المشكلة هي عكس ذلك تماماً، أي أنّ لدينا أعمالاً فنية متميزة ومهمة، يمكن أن تكون ليس فقط رافعة للفنان الأردني وقيمته المغبونة مع الفنانين العرب الآخرين، بل حتى للرواية السياسية الأردنية في العالم العربي، التي تغيب أيضاً، ولصورة المجتمع الأردني وقصصه وثقافته! إذا كانت الشاشة الأردنية لا تريد أن تستقبل الأعمال الدرامية ولا حتى أن تقيّمها، فكيف نتوقع أن تتقبل ذلك الشاشات العربية الأخرى، طالما أنّ هذه الأعمال تسرد القصة الأردنية والرواية المحلية بالدرجة الأولى؟!
مسلسل الاجتياح عرض على شاشات عربية ولم يعرض على شاشاتنا، ومسلسل عودة أبو تايه كذلك، وهنالك مسلسلات أخرى تتأسس على نص محكم محترم لم تجد بعد طريقها إلى البث، كما هي الحال في مسلسل عطر النار، وهو مسلسل على درجة عالية من الاحتراف، ودفاتر الطوفان، وسلطانة وغيرها من أعمال جميعها تنطلق من أعمال روائيين وأدباء أردنيين لأحداث محلية وعربية، وقادرة على التنافس مع الأعمال الدرامية العربية الأخرى. يشتري التلفزيون الأردني مسلسل أسمهان بمئات الآلاف من الدنانير، فيما يرفض شراء مسلسلات محلية بجودة لا تقل عن أسمهان، إن لم تزد، وبأسعار منافسة لأسباب غير مفهومة ولا مبررة، ومن حقنا أن يقدّم المدير العام للإذاعة والتلفزيون تفسيره لنا وتوضيحه، فهو بهذا القرار يحكم بالغياب-الإعدام ليس فقط على الدراما الأردنية، بل حتى على روايتنا السياسية وقصتنا الاجتماعية!
بعض المسلسلات، مثل باب الحارة (السوري)، وليالي الحلمية (المصري)، استقطبت الجمهور العربي بأسره، ونقلت الثقافة الاجتماعية إلى فضاءات واسعة، وصنعت صورة إعلامية جاذبة عن تلك البلاد، وهي حالة لا تقل عنها الدراما الأردنية التي كانت تنافس في الثمانينيات بقوة الدراما العربية، قبل أن تحدث "المقاطعة السياسية" الخليجية للأعمال الأردنية بعد حرب الخليج 1991. أمّا اليوم، فقد انتهت المقاطعة الخليجية للأعمال الفنية الأردنية، لتبدأ المقاطعة الرسمية الأردنية لها! الفنان الأردني ليس فقط يتيما لا أب له! لا بل يعاني من اضطهاد زوج أمه أيضاً، ويحارب في رزقه وفنه وإبداعه في بلاده أيضاً!
بين يدي رئيس الوزراء والمدير العام للإذاعة والتلفزيون أضع علامتي استفهام وتعجب كبيرتين، ونحن على أبواب رمضان: لماذا نقاطع الدراما الأردنية ونقرر الغياب؟ هل هذا هو سقف تعاملنا مع الإعلام والفن الوطني! أوَهكذا نصوغ رسالتنا وننقلها إلى العالم العربي؟!
فعلاً، نحن حالة محيّرة!
m.aburumman@alghad.jo
(الغد)