لا استطيع ان أنظر لتجربة التيار الوطني الحزبي في ظل المعطيات الاولية لها الا على أنها اجترار لتجارب سابقة من نفس اللون والطعم والرائحة , وعودة الى مفاهيم مشخصنة بعيدة كل البعد عن نبض الشارع وتحديات المرحلة .ولأن الاجترار علامة على الخواء والافلاس , ورد الفعل لا يمكن ابدا أن يؤسس لنهضة او مرحلة تنموية , ولأن التجربة برمتها تدخل في باب الفعل السجالي .. أي الفعل الذي يهدف الى نقض الآخر وتهميشه دون ان يلتفت هذا الفعل الى عيوبه وتناقضاته الداخلية , فان المحاولة كلها تبدو يائسة وخروجها بنتيجة مفيدة هو أمر غير متوقع .
لقد آن لنا ان نقول كفانا شخصنة ودورانا في افلاك جاذبة لا تقبل أن تغادر الساحة ولا ان تخلي مكانها لطاقات جديدة أكثر قدرة على التعامل مع مفردات الواقع , هذه الطاقات الجديدة التي نبحث عنها قد لا تمتلك ما امتلكه الاخرون من نفوذ وسيطرة على مفاصل مهمة في المجتمع , وقد تكون لا تحمل من الالقاب والنياشين ما يؤهلها لأن تتبوأ مركز الصدارة في كل عرس وقرص , وقد تكون لا تدير شبكة من العلاقات الداخلية والخارجية التي تصب في أي نقطة محتملة ما عدا النقطة التي تتحقق من خلالها مصلحة الوطن والمواطن البسيط , الا أن هذه الطاقات التي نؤمل ظهورها لم تفقد بعد الثقة المتبادلة بينها وبين الشعب , وما زالت تفهم الواقع بناء على ارهاصاته الداخلية و بلغة الشارع البسيطة بعيدا عن لغة الاستثمارات واسواق المال والنظر الى الوطن على انه بورصة يتربع على مجدها المضاربون الاكثر قوة ودهاء .
لقد وجب عليكم أن تخلوا مكانكم للشباب , الشباب الذين يشكلون في الاردن ما نسبته 70 % من السكان والتحديات تطالهم اكثر من غيرهم , فهم الذين يكتوون بنار البطالة وهم الذين عاشوا تناقض المراحل التي جعلت ابسط احلامهم مستحيلة المنال , وهم الذين طالما عانوا من ابواب المسؤولين المقفلة وتعاليهم عن الالتفات الى واقع الشباب المر , وهم الذين نُظِر اليهم دائما على انهم ارقام انتخابية تضاف الى ما في الجعبة دون اي تقدير واحترام , سوى ما قد يتبادر الى ذهن المترف عندما يقف امامه فقير جائع . ربما لم يخض هؤلاء الشباب حروبا ومعارك قتالية لكنهم عاشوا وما زالوا يعيشون حرب اللقمة المفقودة وهمَّ البيت الذي لا يستطيع ربه ان يفي بابسط متطلباته .
الاحزاب والسياسة هي انعكاس لهذا الواقع , والوسطية يجب ان تقوم على مكاسب انسانية لا على تراكم للثروة والجاه والمنصب . لهذا فان الشخصنة التي نعيشها في الاردن تبدو واقعا بغيضا , وان تجربة كتجربة هذا الحزب الوسطي هي محاولة فاشلة لبناء الثقة مع مواطن فقد الثقة في مجالسه النيابية وحكوماته المتعاقبة ولم تعد رموزها وشخوصها تمثل له قيمة ذات معنى في معركته المستمرة .
أيها السادة , لقد بلغتم من الكبر عتيا وملكتم من الكنوز ما تنوء مفاتحه بالعصبة اولي القوة , فخلوا السبيل لغيركم وارحموا من في الارض يرحمكم من في السماء .
samhm111@hotmail.com