في سلسلة البرقيات البرلمانية التي بدأت بارسالها عبر عمون، تعمّدت التأخير بارسال البرقية المتعلقة بوزارة السياحة، سعيا مني ان امنح معالي الوزيرة فرصةً للتعرف على عملها، والانطلاق في خططها، ورؤية عمل ميداني جاد في المحافظات، متيقناً في الوقت ذاته، ان خطط وزاراتنا كلها، خططٌ مرحلية ملتصقة بالديكور وطاقم المكاتب، تتحرك وتنظم وتلغى وفقاً لحركات التغيير الوزاري وتعديلاته، دون عمل مؤسسي ممنهج ومخطط له ومنظم، وهذا سبب رئيسي لا مجال للخوض فيه في هذا المقام، من اسباب التخلف والتراجع في العمل الحكومي الذي تحكمه وبشكل واضح جلي، سياسات الطبطبة والاستعراض امام رئيس الوزراء، والكلام الفارغ من المضمون، الهادف لايهام رئيس الحكومة اننا نعمل ونشتغل، في استعدادٍ وقائي للوزراء وتحسبٍ فطنْ، لاي تعديل وزاري، فبات عمل الوزارات وهدفها، بوزرائها ومديريها واقسامها واعلامها، هو صاحب المعالي، والطرق الكفيلة بعودته سالما غانما من شر التعديل والتغيير!!

وليست وزارة السياحة استثناءً من هذه الماركة الحكومية المسجلة في المجمل، فلقد استكانت الوزارة، الى الخطوات المتواضعة التي هدفت الى وضع الاردن من جديد على خارطة العالم السياحية، ولم تحقق من هذا الهدف الا ربعه على الاكثر، وأعجبتها المبالغ التي ادرّتها السياحة على الموازنة، على أهميتها، ونام المسؤولون على وقع النصر بتحقيق عائدٍ أسهمَ ب14% من الناتج المحلي الإجمالي، فغنوا له وفرحوا ورقصوا، وهم يعلمون أنهم، لو أفاقوا قليلا، واستغلوا نصف ما يحتويه الوطن من متاحف طبيعية تجعل السياحة العالمية تتجه اليه، لارتفعت النسبة الى النصف او اكثر، ولكن يبدو ان استعراض بعض الوزراء الاعلامي المبهر، أوهم رئيس الحكومة، ولم يوهم الشعب، ان كل شيء يسير وفق ما خطط له صاحب المعالي، وان خطط صاحب المعالي السابق، لم تعجب صاحب المعالي اللاحق، فرحلت مع سكرتيرته وطابعته وستائره... بينما بقي فقط، أرشيف عريض ، ومرآة عريضة على المدخل، عنوانها .....مكانك سر!!

في زيارة رئيس الوزراء الأخيرة للطفيلة، استمع دولته من معالي وزيرة السياحة لإيجازٍ حول خطط وزارتها للنهوض السياحي بالمحافظة، وقد كان عمود هذه الخطط الفقري، إيصال التيار الكهربائي لموقع حمامات عفرا......! فنهض الناس كلهم شيوخا وشبابا رجالا وصبية، في تظاهرة عفوية، ومسيرة سلمية، يحمدون الله جل في علاه على مكرمة الوزارة العتيدة بايصال الكهرباء، والماء، وحملت هتافاتهم بشارة معالي الوزيرة، الى العربان والرعاة، وتحدثوا في ليالي سمرهم وتعاليلهم، عن هذه المكرمة التي ستنزع عنهم ثوب الفقر واسمال البطالة!!
تركت وزارتنا وراء ظهرها مواقع كثيرة سياحية وأثرية تزخر بها محافظة الطفيلة، واختزلت كل ما يمكن لاستثمار هذه المواقع من تحقيق التنمية، واستحداث فرص للعمل، بإيصال الكهرباء إلى عفرا..... إيصال الكهرباء والماء وإنشاء البنى التحتية في عفرا مطلب وطني تاريخي قديم، ولست ادري ما السبب الذي منع وزارة التربية والتعليم من تدريسه في دروس تاريخ الطفيلة في القرن العشرين، الى جانب الدرس الذي يقرأه الطفايلة ستة عشر عاما بعنوان طريق الحسا...! فجاءت البشارة مع معالي الوزيرة بايصال الكهرباء.....كفى استغفالا للناس، وكفى ذراً للرماد في عيونهم، فالطالب الذي يجلس على مقاعد الصف الاول في شيظم او ضانا او النمته، يستطيع ان يقرأ ويكتب ما يشاء، فقد تتلمذ كل الاردنيين على دروس الشيخ جوجل، ومساعده الفاضل فيس البوك...

عفرا ليست المكان السياحي الوحيد في الطفيلة، وان كانت أبرزها، وكهربة الموقع لا تحتاج لخطط وبرامج، قدر ما تحتاج لقرار فوري وسريع، ولكن الوزارة اختزلت سياحة الطفيلة بعفرا، ونسيت المواقع التي تؤمن السياحة الدينية مثل مقامات الصحابة والاضرحة (ومنها ضريح الصحابي كعب بن عمير الغفاري وضريح الصحابي جابر الانصاري ومقام الصحابي الحارث بن عمير الازدي ومقام فروة بن عمرو الجذامي)، والسياحة العلاجية مثل حمامات البربيطة، والسياحة البيئية مثل محمية ضانا، التي تعد من اهم المحميات في الشرق الاوسط، والسياحة الطبيعية في معظم مناطق المحافظة وطابعها الطوبوغرافي الذي يتكون من الجبال والهضاب والسهول والوديان، وكذلك المواقع الاثرية المختلفة التي تعكس الحضارات المختلفة، ومن أهمها قلعة بصيرا، وقلعة الطفيلة، وقلعة السلع، وقلعة الحسا، وقصر الدير، وكنيسة النصرانية، بالاضافة الى الخرب المنتشرة على امتداد المحافظة كخربة التنور وخربة الذريح وغيرها، اليست هذه المواقع جديرة بالاهتمام أيضا، وجديرة بالبنى التحتية مثلما هي جديرة وبدرجة قصوى، بوضعها على خارطة الأردن السياحية؟ خصوصا أنها تقع، جميعها، على الطريق إلى البتراء والعقبة ولا تبعد عن البحر الميت اكثر من عشرين دقيقة، مما يؤمن فرصا للعمل للكثير من أبناء الطفيلة المتخصصين بالادارة والسياحة والفندقة، وغير المتخصصين!...

ماذا تخسر وزارتنا العتيدة ان قامت بانشاء مركز او اثنين للزوار في الطفيلة في مواقعها السياحية المميزة، ثم اجبرت الحافلات السياحية على التوجه لها، فيقضي السائح فيها نصف ساعة فقط، كفيلة بتشغيل عدد لا بأس به من أولئك الذين يتطلعون للقمة العيش...

وان كانت وزارة سياحتنا غير معنية بكثرة المواقع ولا بتميزها، كما يلاحظ الناس، فلتتجه نحو الخصخصة على علاتها او التأجير لجهات دولية تملك رؤية شمولية لأهمية هذه المواقع ولجدوى استثمارها، فتفيد الناس وتستفيد، اما ان نبقى أسرى للخطط العقيمة غير القابلة للتطبيق، فهذا هو الفساد بعينه.

إن اتجاه هذه الحكومة وكل الحكومات، يجب أن يسير سيرا صحيحا نحو الإصلاح بمفهومه الاقتصادي، وبما يدعم الموازنة، التي أصبحت شماعة تعلق عليها أخطاء الحكومات وتعلق عليها مبررات تجاهل الناس، مثلما يعلق عليها دائما، الهروب من فقر الناس ومن عوزهم...والناس لا يطلبون في المجمل، من الحكومة، رأس كليب، بل يطلبون شيئا واحدا بعد أن فقدوا أملهم بالخطط التي كلفت ورقا كثيرا لم يعاد تدويره على الأقل، حتى نقول استفاد الناس منه، الناس يطلبون دعم الموازنة، بشيء واحد اتفق عليه كل الوطن، القضاء على الفساد، وليس مجرد التلويح بمكافحته، الناس، في الطفيلة وغيرها، لا يطلبون من الحكومة بكل وزاراتها، إلا الاتجاه نحو كل ما يمكنه أن يدعم الموازنة دون فساد أو استعراض، عمل حقيقي ليس فيه رياء لأحد.

وكلمة لا ارغب بالقفز عنها، ان الفساد الذي يتمثل بهدر مخزون الوطن السياحي في كل المحافظات، هو فساد متراكم لا تتحمل معالي الوزيرة وزره وحدها، غير انها الان في موقع المسؤولية والكرة في ملعب وزارتها....

وإذا كان عمل الحكومات مستندا على خطط واستراتيجيات وطنية شاملة، ويجب أن تكون كذلك، فأن عليها في مجال السياحة أن تنظر للمحافظات كلها نظرة مختلفة، نظرة فيها قواعد لما يصلح لكل محافظة، فالذي يصلح للطفيلة لا يصلح لجرش مثلا والعكس صحيح، ويجب أن يكون تمايز المحافظات بمواقعها وتميزها، هو الأساس في ذلك، عندها فقط نستطيع القول أننا استثمرنا نفطا أردنيا خفيا يدر مليارات الدولارات، بكلفة وجهد قليلين.


النائب ا.د. نضال القطامين